17 سبتمبر 2025
تسجيلوصلني مظروف أنيق مكتوب عليه اسمي إلى مكتبي فاستغربت (شياكته) فهو على غير عادة البريد الخاص المرسل لي لا يبدو رسمياً ولا يأخذ من هذه الصفة شيئاً.. فضضته فإذا بعينين ترمقانني بحنان غريب!.. لا تخافوا فقد كانت مجلة خاصة برعاية دار المسنين القطرية وكانت صورة عجوز تلبس (بطّولة) تخفي معظم وجهها لكنها تظهر عينين وسط تجاعيد غائرة وبياض شرب الزمن رونقه ومقل سكب عليها العمر همومه وكأنها تشكو الله أين أبناؤها؟!.. قلبتها وبدأت بتصفح أوراقها الفاخرة.. ما أعظم هذه الدار المجتمعية التي تحظى باجر وخدمة هذه الشريحة الرائعة في مجتمعنا.. هؤلاء والذين أسميهم (بركة البيت) فيما لو ظلوا في بيوتهم ووجدوا من يخدمهم ويتكفل باحتياجاتهم ويحظى بدعوة خالصة منهم حتى وإن عجز بعضهم عن الكلام وإطلاق صوته.. هؤلاء الذين وجهتهم حظوظهم وظروف أهاليهم لان يكونوا في دار ترعاهم وتستجيب لكل ما يحتاجونه رغم أن فراق الأهل والأبناء لا يمكن لأحد أن يعوضهم عنه وكنت أريد أن أتعرف إلى سر هذه الصورة العجيبة التي تكاد تنطق من الغلاف، ورغم أنني حاولت أن أبحث عن قصتها داخل المجلة إلا أنه لا أحد كتب عنها شيئاً ولم تكن سوى صورة تعبيرية لنشاط الدار التي تمتلئ بهؤلاء العجائز والشيوخ والعاجزين، لذا قصدت إحدى أخوات صديقة لي تعمل هناك وسألتها عن بطلة مقالي هذا فقالت بأنها مجرد صورة لا تمثل أحداً!.. لا تمثل أحداً؟!.. قلتها مراراً وتكراراً وأنا أتعمق في نظرة هذه العجوز المغلوبة على أمرها الذي قادها القدر لأن تكون بطلة غلاف ربما على غير اختيار منها أو باختيار لا أدري لكنها كانت صورة مؤثرة تكشف مدى تقصيرنا تجاه هذه الفئة الطيبة بيننا ووجدت نفسي أهنئ نفسي ذاتها بأنني أوصي دائماً أبناء إخوتي باستشعار النعمة التي يحظون بها بوجود (كبار السن) في حياتهم بعد أن فقدتهم أنا في حياتي بوفاتهم.. ألا يتعالوا على (أمي) لأنها (الجدة) لهم وألا يهملوا (أبي) لأنه (الجد) لديهم وأن يحسوا بوجودهما بينهم على أنها نعمة كبيرة كما هي بالنسبة لي والحمدلله.. عليهم أن يعلموا ويتعلموا بأن مثل هؤلاء يجب أن يضمهم صدر البيت لا ذيله ولا خارجه وأن يتأكدوا بأنهم البركة والإحسان الذي يجب أن يبادلوه إياهم.. وأن من يرمي بأبيه وأمه الى دار العجزة ما هو إلا إنسان فشل في رد الجميل أو تهرب منه أو تنكر له وفي كل هذه الأحوال فقد معنى الإنسانية والرحمة والحب لمن أعطوه كل مقومات حياته وأخذ منهم في كبرهم كل ما تبقى لهم من الحياة وهو (البر) الذي يجب أن نغذيه في نفوس وقلوب صغارنا تجاه كبار السن وأن يروا كل ما فيهم ومنهم هو معنى حقيقي لكل ما هو أصيل وجميل نفتقده اليوم في حياتنا التي غلبت عليها السطحية والعلاقات الهشة الخالية من المشاعر الصادقة التي لا توثق تاريخاً بين الأجيال يجعلهم في ترابط مع الذكريات أو اتصال مع العادات والتقاليد التي انسلخ معظمنا منها للأسف الشديد تحت دعاوى الحداثة والموضة والتطور السريع الذي يمر به العالم في التربية والنشأة وفي كل مجالات الحياة!.. ولا يمكن لهاتين العينين الجميلتين المثقلتين بالهموم إلا أن تحملا من هم الإنكار وقطيعة الأبناء ما يجعلها تحمل تلك النظرة المعبرة التي لربما كان اختياراً رائعاً من دار المسنين أن يزينوا بها غلاف مجلتهم لكنهم لربما لم يعرفوا التأثير الذي وقع علي حينما شاهدتها وكأنني بها استحضرت صورة (جدتي) رحمها الله في تلك التجاعيد التي حكت قصة مؤلمة حول عينيها أو بالمياه البيضاء التي تجمعت في زواياها لكن بفارق واحد أن (أمي العودة) ماتت بيننا بعد ان شاركتنا سهراتنا وضحكاتنا وبعض طلعاتنا لكنها الخاتمة التي لا يمكن أن يفر أحد منها.. الخاتمة التي لم تعد تفرق اليوم بين صغير يحبو أو كبير يعدو!.. الموت الذي هز جنبات قلوبنا وبيتنا بفراق غاليتنا (مريم) التي عشقت اسمها ووددت لو أن والدي تذكرا بأن اسم مريم هو ما يناسبني أكثر!فاصلة أخيرة:لأنهم (الخير والبركة).. أضيفوا لحياتكم وبيوتكم شيئاً من البهجة بوجودهم بينكم!