15 سبتمبر 2025

تسجيل

يحدث في بر العراق

16 يونيو 2014

من العبث النظر إلى ما يحدث في وقائع في بر العراق. بحسبانه مجرد تحرك عسكري لما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في بعض المحافظات وسيطرتها عليها بطريقة سريعة. فالمسألة تتجاوز ذلك بكثير. ويمكن توصيف ما جرى بأنه إعادة إنتاج لبدايات الأزمة التي نتجت عن الغزو الأمريكي في العام 2003 والذي أفضى إلى تبنى نظام المحاصصة وفقا للطائفية والمذهبية التي كانت كامنة في بلاد الرافدين. ثم أشعل جذوتها سلطة الاحتلال التي هيمنت على مجمل الأوضاع السياسية والعسكرية والأمنية بعد إعلان حل الجيش العراقي. والذي كان يعد واحدا من أهم الجيوش في المنطقة ثم تبنى خطوات بدا أنها تكرس لحكم المنتمين للمذهب الشيعي بتنويعاته المختلفة مع تشكيل مجموعات مقاتلة مرتبطة بكل تنظيم أو نخبة أو جماعة وإقصاء عناصر ونخب سنية. تحت مسمى قانون اجتثاث البعث والذي استخدم على نحو شديد السوء. مما أسهم في عملية تجريف واسعة للقيادات السنية وفي الوقت نفسه جمد فعالية وحيوية من أبدي منها قدرا من التفاهم والانسجام مع ما يحدث وإن حاول البعض الخروج عن المسار المحدد فإنه سرعان ما كانت توجه له تهم مساندة الإرهاب مثلما حدث مع طارق الهاشمي نائب الرئيس الذي أجبر على مغادرة العراق إلى تركيا بعد الحكم عليه بالإعدام في اتهامات بالتورط في قضايا إرهاب. على الرغم مما كان يبديه -بعد الاحتلال - من مرونة في التعاطي مع الواقع السياسي وهيمنة السلطة الأميركية على مفرداته والدخول في تحالفات مع القوى الشيعية النافذة. بحثا عن دور سياسي.إذن المعضلة تكمن في هذا الخطر الذي أحدق مبكرا بالعراق فكرس لتصدر القيادات والنخب السياسية الشيعية المشهد دون إتاحة هامش واسع للقوى الأخرى. بما في ذلك القوى الشيعية المناهضة للنخبة الحاكمة. فعوضا عن الدخول في حوار يفضى إلى توافق وطني حقيقي يقوم على مبدأ المواطنة وليس المحاصصة المذهبية أو الطائفية سواء قبيل الانتخابات البرلمانية الأخيرة أو التي سبقتها منذ أربع سنوات . فإن سياسات حكومة المالكي والقوى المتحالفة معها أسهمت في توسيع دائرة الاحتقان. والتي بلغت مداها باشتعال الاحتجاجات في العديد من المحافظات الغربية ذات الأغلبية السنية والتي عانت من التهميش. ووصل الأمر إلى اللجوء إلى الخيار العسكري فيما يمكن توصيفه بأزمة الأنبار والفالوجة. وغيرها من المناطق التي شهدت أحداثا غير مسبوقة لم تفرق بين المواطنين أو الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة والتي أظن أنها شكلت المحفز الحقيقي للأحداث الأخيرة ومن الأهمية بمكان التأكيد على أن أي فعل إرهابي يمارسه تنظيم أو جماعة أو قوة ما مرفوض. بحكم محددات الإسلام والقانون والانتماء للقيم الحضارية الصحيحة. ولعل اللجوء إلى الرد العسكري على سياسات الحكم مثلما جرى في محافظات الموصل وتكريت وديالى وغيرها من المناطق التي تمت السيطرة عليها ينطوي على مخاطر جمة في مقدمتها أن العراق بات على شفا التقسيم بين مناطق تابعة لحكومة شيعية قد تشمل العاصمة بغداد والمحافظات الجنوبية . خاصة أن دعوة وجهت من رئيس الوزراء نور المالكي لسكان هذه المحافظات ذات الأغلبية الشيعية للتطوع في جيش رديف للجيش الرسمي لطرد العناصر المسلحة من المحافظات التي تمت السيطرة عليها. وفي المقابل فقد يدفع ذلك القوى والجماعات والعشائر في المحافظات السنية في الغرب وغيره. إلى الدفاع عن وجودها. ومن ثم فإن الأمر قد يسفر عن واقع تقسيمي وهو تطور لو تحقق سيكون الأخطر في تاريخ العراق الحديث الذي حافظ على وحدته ترابا وشعبا منذ تشكله كدولة حديثة في عشرينيات القرن الفائت.وفي تقديري فإنه ليس بوسع طرف في العراق سواء النخبة الحاكمة بتنويعاتها الشيعية أو السنية أوالمعارضة بأطيافها المتعددة أن يتبنى رسميا توجها لتقسيم العراق تحت أي مبرر. لأنه ساعتها سيفقد شرعية وجوده وهو ما يحرص عليه نور المالكي رئيس الوزراء في خطابه السياسي مدركا أن شرعيته مرهونة بالمحافظة على وحدة الدولة العراقية. ولو تخلى عنها أو أسهم في أي خطوة تقود إلى المساس بها فإنه سيفقد موقعه الرفيع المقام وهو ما يستوجب منه في الوقت الراهن أن يعلن بصراحة وبوضوح أنه يقبل بالتوافق مع جميع القوى السياسية خاصة التي أبدى إشارات على مخاصمتها ومحاولة إقصائها من المشهد السياسي. بما في ذلك القوى والعشائر في المحافظات الغربية السنية تحديدا والتي تجاهل حضورها في السنوات الأخيرة. وليس من قبيل الخطأ على أي سياسي أن يعيد النظر في سياساته خاصة إن قادت إلى الإضرار بمصلحة الوطن وبالذات وحدته الترابية ونسيجه الاجتماعي وهو مابات مطلوبا من المالكي والقوى المتحالفة معه بإلحاح. للمسارعة إلى دعوة كل رموز العراق الوطنية إلى اجتماع عاجل في بغداد يتعهد فيه بمراجعة كل سياساته في السنوات السابقة والاتفاق على إنهاء الاحتقانات المتعددة في مختلف المحافظات والأقاليم. بما في ذلك إقليم كردستان العراق الذي يهدد بالانفصال إذا ما عادة المالكي إلى السلطة رئيسا للوزراء. في ظل المناورات التي جرت وما زالت تجرى في بغداد عقب الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي دفعت ائتلافه إلى تصدر المشهد دون أن يكون قادرا على بلورة أغلبية تمكنه من الحكم وثمة من ينظر إلى مسألة مسارعة قوات الجيش والأمن بتسليم مواقعها في المحافظات التي تعرضت للهجوم في الأسبوع الفائت على نحو جعلها تسقط بيسر وسهولة في قبضة العناصر المسلحة. بحسبانها تعكس هشاشة في انتماء هذه القوات للسلطة الحاكمة. وربما عدم قناعة بها خاصة أن هذه القوات هي الأقوى من حيث العدد ونوعية التسليح. وهو ما مكن العناصر والجماعات المسلحة من الاستحواذ على أسلحة ومعدات عسكرية حديثة الأمر الذي يطرح العديد من علامات الاستفهام على المالكي وحكومته. واللافت أن هذه المسألة لم تقتصر على قيادات وأفراد محافظة الموصل وإنما حدثت في كل المحافظات والمدن والمناطق التي تمت السيطرة عليها وذلك يعنى أنه ليس بوسع المالكي أن يراهن إلا على قوات ذات ارتباط مذهبي وطائفي وهنا تكمن واحدة من أهم تجليات الخطورة.وثمة تجل آخر نتج عن الأحداث الأخيرة في العراق. ويتمثل في سيطرة قوات البشمركة وهي القوة العسكرية التابعة لإقليم كردستان العراق على مدينة كركوك المتنازع عليها بين العرب والأكراد بصورة كاملة. بعد انسحاب قوات الجيش العراقي منها. أي أن كركوك أصبحت في قبضة الأكراد بالكامل. وهو مالم يتمكنوا منه بالمرة في السنوات السابقة. وهنا مكمن خطر إضافي على وحدة العراق في ظل مؤشرات لإعلان إقليم كردستان انفصاله المرتقب بعد تكريس كل مقوماته خلال سنوات ما بعد الاحتلال الأمريكي.بوضوح بات العراق كله شعبا وأرضا ودولة بل ومسارا ديمقراطيا في دائرة الخطر. فهل تنتبه نخبه قبل فوات الأوان؟