13 سبتمبر 2025
تسجيلثورة المظلومين والمهمشين في الموصل وراؤها تنظيمات داعش!! هكذا يروج الإعلام هذه الأيام.. وكذلك الذين تصدوا للتهجير المنهجي في ديالى هم أعضاء في تنظيم داعش!! وهذا التحليل يسري على أحداث صلاح الدين، وكركوك، وبغداد، وقد سبق اتهام عشائرنا الثائرة في الأنبار بأنها الوجه الآخر لداعش!! وحتى تكتمل الرواية فصولها لابد من الادعاء بأن قوات نوري المالكي على درجة عالية من المهنية القتالية والمصداقية فهي (كما يدعي الإعلام الرسمي العراقي) لا تقاتل إلا فصائل داعش، ولا تقصف إلا مواقع داعش، وأقرب دليل على ذلك هو قصف صالة طوارئ مستشفى الفلوجة ليلة الرابع من يونيو الجاري التي ذهب ضحيتها ثلاثون وجرح ما يزيد على سبعين أغلبهم مرضى وأطباء وإداريين، (هذا مثال صارخ على أهداف نوري المالكي في حربه المزعومة ضد داعش)، لا نعجب لذلك، فقد هاجمت قواته فجر يوم الثالث والعشرين من أبريل عام ٢٠١٣المعتصمين في الحويجة وقتلت خمسين وجرحت مائتين وخمسين، لم تعثر وحدات جيش المالكي في ساحة الاعتصام إلا (عصي خشبية).. رغم أن الإعلام الرسمي كان يروج على مدى أشهر بأن المعتصمين السلميين ما هم إلا إرهابيون مسلحون بأسلحة ثقيلة وينتسبون لتنظيمات داعش، والقصص في هذا المجال كثيرة وهذا غيض من فيض. تنظيمات القاعدة وداعش غير مرحب بها ورغم ذلك فهي موجودة فعلا في العراق ومحاضنها عشائرية مختلفة كما أنها موجودة وناشطة في دول أخرى أيضا، هذه حقيقة، إن أعضاء هذه التنظيمات من العرب السنة لكنها لا تمثلهم وهي ليست وحدها في الميدان، وتنشط كما تنشط فصائل مسلحة أخرى وشاركت بفعالية في معركة الموصل الأخيرة كما هي موجودة بكثافة في الفلوجة والاعتراض ليس على حقيقة وجودها بل ينصب على تجاهل قوى أخرى مع تضخيم قوة وفعالية هذه التنظيمات بشكل متعمد والغرض لفت انتباه العالم وهو متحسس جداً من تنامي ظاهرة الإرهاب بهدف خطف الأضواء وتحويل الانتباه، إذ بدل أن ينصرف العالم للتحري عن السبب وراء غضب العرب السنة والتعاطي مع ثورتهم المشروعة وتحميل نوري المالكي كامل المسؤولية بسبب سياساته التراكمية الكارثية في التمييز والإقصاء والظلم .. فإن العالم ينشغل بتهديد مزعوم.. هو تهديد داعش.. وهكذا كلما ارتفع رصيد (داعش) إعلاميا كلما خفت صوت مظلومي (السنة).. وهذا هو المقصود، أولا وأخيرا، هذه المقاربة الخبيثة التي يتلاعب بها الإعلام بالعقول وينقلب فيها الضحية إلى جزار والمظلوم إلى ظالم مقصودة إذ ليس من شأنها فقط تحرير نوري المالكي من أي ضغوط للاستقالة أو الاستجابة للمطالب المشروعة للعرب السنة أو للتخلي عن المطالبة بولاية ثالثة بل من شأنها أن تستدرج المغفلين أو المدفوعين بالهوس الطائفي في الداخل والخارج وتغريهم بالاصطفاف مع نوري المالكي وهو بأمس الحاجة لذلك حيث يعيش أضعف أيامه سياسيا. قصة داعش.. رواية لا تنتهي، سبقتها قصة (القاعدة)، حيث وظفها سياسيون من الصفويين الجدد وعلى رأسهم نوري المالكي في التطهير العرقي، في قطع الأعناق وفق قانون ٤ إرهاب، أو قطع الأرزاق وفق قانون المساءلة والعدالة، وجميع القتل والإعدامات والتهجير الطائفي ومصادرة المساجد، واغتصاب النساء، واعتقال الشباب، والتضييق المتواصل الذي حرم العربي السني أبسط متطلبات العيش بكرامة- وهو يتعرض لذلك منذ سنوات - هو ما يرقى أن يكون تطهيرا عرقيا، ليس جديدا، بل هو سياسة منهجية دأب عليها حزب الدعوة والمتحالفين معه من أجل اجتثاث العرب السنة ابتداء من حكومة إبراهيم الجعفري عام ٢٠٠٥ وحتى هذه اللحظة، لقد هاجمت في يوم واحد ميليشيات شيعية ترتدي بدلات سود وهي نفس ملابس داعش والقاعدة واغتالت في يوم واحد ألف شخص من السنة منهم الكثير من أئمة المساجد والخطباء وحرقت منازل وهجرت ألف وخمسمائة عائلة في بغداد عشية الهجمات التي طالت المرقدين العسكريين الشريفين في سامراء في الثاني والعشرين من فبراير ٢٠٠٦، والذريعة (القصاص من متشددين سنة وإرهابيون)!! رغم أن إيران وليس متشددي العرب السنة كانت وراء التفجيرات كما أعلن الجنرال كيسي لاحقا. في ديسمبر عام ٢٠١١وفي اليوم التالي لمغادرة آخر جندي أمريكي مقاتل أرض العراق استهدف نوري المالكي نائب الرئيس العراقي بتهم مفبركة وأصدر عليه قضاءه المسيس ستة أحكام بالإعدام والتهم نفسها (إرهاب) وهي نفس التهمة التي تلاحق تنظيمات داعش وتنظيمات القاعدة، في ضوء ذلك لم يعد إذا في العراق الجديد أي معنى أن تكون (وسطيا) أو (معتدلا) لأنك نهاية المطاف متهم بالإرهاب ليس بالضرورة لأنك تورطت في عمل أو نشاط إرهابي بل لأنك تنتسب لمكون متهم جميع أفراده بالإرهاب- باستثناء من يرضى عنه المالكي أو تزكيه دولة ولاية الفقيه - بمعنى أن تكون سنيا إذا أنت إرهابي، وهنا أتوقف عند مذكرات كونداليزا رايس عندما نبهت نوري المالكي إلى امتعاض العرب السنة لأنه يستبعد أولادهم من الجيش والأجهزة الأمنية أجابها بكل وقاحة (أنا لا أطيق العرب السنة ولا أثق بهم).. هكذا وضع نوري المالكي خطا أحمر على جميع أفراد المكون.. وعلى أساس من هذه النظرة يدير نوري المالكي ملف العرب السنة. الإرهاب ذريعة يوظفها نوري المالكي ويتنصل من خلالها من التزاماته الدستورية والسياسية والأخلاقية كرئيس لوزراء العراق يفترض به أن يمثل العراقيين جميعا دون تفريق أو تمييز. وهو ليس كذلك بالتأكيد.لم يسلم نائب الرئيس العراقي من هذه التهمة، ولم يشفع له سجله في المشاركة المبكرة في العملية السياسية التي ثبت الآن أنها وظفت من أجل التمكين لمكونات بعينها وهمشت مكونات أخرى العرب السنة والتركمان وأقليات أخرى، كما لم يشفع له خسارته لثلاثة من إخوته تم اغتيالهم عام 2006 بسبب ذلك، كما لم يشفع للعرب السنة وقفة عشائرهم الشجاعة في ملاحقة وتطهير مناطقهم عام ٢٠٠٨ من تنظيمات القاعدة وهذا هو نوري المالكي يكافئ تلك العشائر بعدوان عسكري على الأنبار مضى عليه ستة أشهر والعالم كل العالم يتفرج ولا يحرك ساكنا. لائحة الاتهام لا تتوقف.. ويبدو أن داعش قصة لا تنتهي. لكنني أحب أن أنوه وأقول بمنتهى الصراحة والوضوح إن الدوائر القلقة من تنامي ظاهرة الإرهاب ونحن نشاطرها ذات القلق يمكنها معالجة الأمر بأقل ما يمكن من التضحيات، وأن تكون موضوعية وتنفتح على الجميع وعليها أن تتحرك بسرعة إذ إن الوقت ينفذ وكلما تجاهل المجتمع الدولي معاناة العرب السنة - كما حصل حتى الآن - كلما تفاقم الوضع وتوسعت شريحة المتشددين المؤمنين بالعنف، ونصيحتي لمن يعنيهم الأمر أن يعيدوا النظر بموقفهم والفرصة مازالت متاحة.