11 سبتمبر 2025

تسجيل

تطوير المساجد أو حولها

16 مايو 2024

كل من درس تاريخ العمارة في مصر يرى كيف تقلبت بين العمارة الإسلامية والفاطمية والمملوكية والعثمانية، ثم العمارة البحر متوسطية مع العصر الحديث، أو مزيج من هذا كله. عرفت مصر مهندسين وفنانين ومفكرين من كل الملل والأجناس، فكما كان هناك علي مبارك كان هناك ماريو روسي الإيطالي وحديثا الدكتور محمد عوض وعائلة محمد عوض التي كان لها دور كبير في العمارة في الإسكندرية. أسماء كثيرة لا يتسع لها المقال عرفتها الإسكندرية والقاهرة وغيرها من البلاد المصرية، وكتب كثيرة كتبت عنهم، لكن الدرس الذي تخرج به من القراءة عنهم وعن إنجازاتهم في العمارة، هو أن العمارة بنت المكان والتاريخ. بنوا قصورا للباشوات والأغنياء وبنوا مساجد شهيرة في مصر مثل مسجد عمر مكرم ومسجد المرسي أبو العباس ومسجد القائد إبراهيم ومسجد الرفاعي على سبيل المثال، أو أعادوا بناءها، وكذلك فنادق لا تزال موجودة مثل فندق سيسيل أو متروبول في الإسكندرية في منطقة محطة الرمل أو غيرها في القاهرة والأقصر وأسوان. الأمر نفسه بالنسبة للعمارات والبيوت، بل والمدافن لكثير من الحكام والمشاهير. كان هناك قانون يحكم عمليات البناء عبر العصور، يمنع أن يشغل البناء مساحة تعتدي على الفراغ حوله أو خلفه، فعلى الشواطئ مثلا كنت لا تجد عمارة أو مبنى يرتفع عن ستة طوابق، فالهواء والماء ليس لسكانها فقط، بل لمن حولهم وخلفهم رغم أن طريق الكورنيش أمامه متسع ولا نهاية للبحر. صار القانون معروفا على نطاق واسع بأن لا يرتفع المبنى عن مرة ونصف عرض الشارع، فالشارع الذي يكون عرضه عشرة أمتار لا ترتفع العمارة عن خمسة عشر مترا، وهكذا في كل الشوارع. لن أتحدث عما جرى من فساد ضرب بهذا القانون عرض الحائط، فصارت العمارات ترتفع إلى عشرة أو خمسة عشر طابقا في شوارع عرضها ستة وعشرة أمتار. صارت هي العشوائيات الحقيقية، وليست عشوائيات المناطق الفقيرة فقط. سأتحدث عما قرأته من تطوير سيحدث في المناطق حول مسجد السلطان حسن ومسجد الرفاعي. مسجد السلطان حسن، بناه السلطان الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاوون في القرن الثامن الهجري خلال حكم المماليك البحرية لمصر. مسجد الرفاعي بُني منذ نحو مائة وخمسين عاما. بنته خوشيار هانم أم الخديوي إسماعيل وبه دفنت وأسرة الخديوي، وبه دفن أيضا السلطان حسين وزوجته والملك فؤاد الأول والملك فاروق. حولهما أو قريبا منهما مساجد أثرية أخرى مثل مسجد جوهر اللالا، أو مسجد محمد علي بالقلعة وغيرهما. المسجدان علامتان فارقتان في تاريخ العمارة، وما دمت سمعت عن تطوير ما حولهما بمساعدة من قبل طائفة البهرة وسلطانها الذي زار مصر، فكل ما أرجوه أن لا يدخل التطوير إلى المسجدين فيكون سببا في ضياع الملامح المعمارية في الأسقف والجدران والمئذنة والقباب مثلا، فنجد أنفسنا كما حدث في تطوير مسجد أبو العباس المرسي بالإسكندرية، حين طمس المقاولون زخارف في جزء كبير من سقف المسجد بالمحارة والأسمنت، فأوقفت المحافظة الأعمال بعد الضجة التي أثيرت. وكما حدث في مئذنة وقبة مسجد الحسين التي تم تشويهما بالطلاء. لست مهتما أن تكون طائفة البهرة متحملة التكلفة في التطوير، ففي مصر لا نفرق بين شيعة وسنة، لكن الخوف هو من المقاولين الذين لا يعرفون معنى الثقافة، فيخفون معالم أثرية كثيرة بالأسمنت أو المحارة أو غيرها فتثور الدنيا. في مصر علماء ومهندسون وهيئات للحفاظ على التراث أتمنى أن يوكل لها الأمر منذ البداية ولا تتكرر الأخطاء.