11 سبتمبر 2025
تسجيلأطرح هذا التساؤل في ضوء ملاحظة شديدة الوضوح وتتمثل في أن بعضا من أطراف عربية وجهت قوتها العسكرية بشرا وعتادا نحو شعوبها التي انتهجت التظاهر السلمي طريقا للمطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية بينما لم تحرك هذه القوة أبداً باتجاه العدو الحقيقي والذي أعرفه أنا وتعرفه أنت وهو الكيان الصهيوني الذي ما زال مستوطنا الأرض وغاصبا للحقوق ومتعسفا في النظر إلينا مدعوما بالولايات المتحدة وبعض أطراف في الغرب وبوسعي أن أزعم أن العتاد الذي خسره العقيد معمر القذافي في قتل شعبه ومطاردة الثوار على نحو عشوائي في كل موقع في ليبيا كان بمقدوره أن يشكل رقما مهما في أي مواجهة قادمة مع العدو الحقيقي والتي أتوقع حدوثها رغم كل اتفاقيات السلام معه خاصة أنه ظل منذ قيامه بثورة الفاتح من سبتمبر 1969 والتي تفاءلت بها الشعوب العربية بحسبانها قيمة مضافة لحركة التحرر الوطني العربية ودعم لخيارات الشعوب يعقد صفقات التسليح بمئات المليارات من الدولارات وظلت مخزنة في مستودعاتها حتى حانت لحظة استخدامها في المواجهة مع الشعب الذي سانده وحلم معه بالحرية وبالسيادة ولكنه حول هذه الأحلام إلى كوابيس مزعجة جعلت ليبيا والليبيين في مؤخرة الشعوب العربية على صعيد التنمية والتقدم والحراك السياسي وجعل من الوطن مملكة خاصة له ولأفراد أسرته الذين وزعهم قادة لكتائبه الأمنية وبوسعي أن أزعم أيضاً أن الجهد الذي بذله الجيش السوري أفرادا ودبابات ومدرعات على نحو بدا أنه يخوض معارك حربية حقيقية كان يمكن أن يشكل قوة ضاربة في حرب تحرير أو حتى حرب عصابات يمكن أن يشنها ضد العدو الذي ما زال يحتل الجولان منذ أكثر من 43 عاما لم يطلق خلالها رصاصة واحدة باتجاه موقع لهذا العدو وحتى أكون منصفا فيما أطرحه فإن سوريا ظلت رقما مهما على مدى هذه السنوات في المواجهة مع العدو وإن كان على نحو غير مباشر عبر تقديم الدعم اللوجستي لأطراف وحركات مقاومة عربية وقادت بجدارة ما يسمى بمحور الممانعة العربية لكن ذلك لا ينبغي- تحت أي عنوان أو مبرر- أن يدفع قيادتها إلى توجيه القوات المسلحة لقتل ومطاردة المواطنين الذين أعلنوا أنهم يطالبون بحقوقهم في الحرية والعدالة والإصلاح عبر المنهج السلمي وقد حاولت عبثا أن أقنع نفسي بقصة العناصر المندسة والفئات الإرهابية والمسلحة وهي حجة مكررة تلجأ إليها النظم العربية الحاكمة وآخرها نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي سعت آلته الإعلامية الضخمة إلى تلطيخ سمعة الثوار وأنهم مجرد أداة لأطراف خارجية بينما كان النظام ذاته هو الأداة الأكبر لهذه الأطراف عبر ثلاثين عاما ظل فيها جاثما على أنفاس الشعب والوطن ويبدو أن الرئيس اليمني علي عبدالله صالح أراد أن يوظف النجاحات التي حققها كل من الرئيس بشار الأسد والعقيد معمر القذافي فزج بالمؤسسة العسكرية كعنصر في حسم المواجهة مع الجماهير الثائرة ضده دون إدراك لمخاطر ذلك وهو من قبل استخدم هذه المؤسسة بل وأنهكها في حرب عصابات مع الحوثيين رغم أنه كان بإمكانه اللجوء إلى خيار الحوار السياسي وهي الآلية التي يتعين الاستناد إليها في التعامل مع القوى الداخلية لا أن يتم حشد طاقة المؤسسة العسكرية في المواجهة الأمر الذي ينهك قدرتها على التعامل مع الأخطار الخارجية وهنا تكمن المعضلة خاصة بالنسبة للحالة السورية فهي واقعيا في حالة حرب مع العدو الحقيقي الكيان الصهيوني والذي يتربص لها أي فرصة للوقوع في براثنه ومن ثم كان من الأجدر ألا يتم إهدار قوتها وطاقتها ومعنوياتها في قتل نفر من أفراد الشعب بل السعي بقوة إلى توفير كل الظروف للاستعداد ليوم آت - ليس بعيدا- لاستعادة الجولان لأن كل خيارات السلام التي لجأت إليها القيادة السورية الحالية أو السابقة لم تفلح في تحقيق هذا الهدف الوطني وثمة بعد آخر في المسألة فإن أي جيش في مواجهة مع العدو هو في أشد الحاجة إلى الإسناد الشعبي فكيف يكون بمقدور الشعب السوري أن يقدم هذا الإسناد بعد أن قتل الجيش الكثير من أبنائه صحيح أن عددا من ضباط هذا الجيش قد قتلوا أيضا ولكن ذلك يستوجب تعقب القتلة وليس توجيه كل هذا الحجم من الأفراد والعتاد لمحاصرة المدن والبلدات السورية على نحو يشبه في بعض الأحيان الأساليب الصهيونية مع الفلسطينيين وهنا ألفت إلى التصريح الذي أدلى به ابن خالة الرئيس بشار - رامي مخلوف- قبل أيام والذي تعادل حالته حالة رجل الأعمال الشهير في مصر أحمد عز من حيث النفوذ المالي والاقتصادي والسياسي والذي ربط فيه بين أمن سوريا وأمن الكيان الصهيوني والذي اعتبره وزير الإعلام في الحكومة السورية عاكسا لرؤيته الشخصية والمرء يتساءل: متى يكون لهذه النوعية من النافذين والقابضين على معادلة الثروة والسلطة رأي خاص الأمر في تقديري لا يعدو كونه مغازلة للكيان وبضوء أخضر من أعلى المستويات حتى لا يسقط النظام وهي محاولة لم تفلح في إنقاذ نظام العقيد القذافي عندما لجأ إليها مع بداية انبثاق ثورة السابع من فبراير وما يبعث على الدهشة هو أن الرئيس بشار الأسد أصدر منذ الأيام الأولى لتفجر الأحداث تعليمات صارمة بمنع إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين وكرر هذه التعليمات قبل ثلاثة أيام ومع ذلك فإن الرصاص الحي يحصد كل يوم أفرادا من الشعب بل إن بعض الإحصاءات التي تنسب لمنظمات حقوقية سورية ترتفع بأعداد القتلى إلى أكثر من ألف شخص وهو ما يعني أن ثمة أطرافا داخل الدائرة الضيفة في الحكم لا تنفذ تعليمات الرئيس وهو ما ينطبق على الإصلاحات السياسية التي أعلنها قبل أكثر من شهر ما زالت تراوح مكانها رغم إلغاء حالة الطوارئ لقد قدمت المؤسسة العسكرية المصرية الأنموذج الأمثل في التعامل مع الحالة الثورية للشعب والتي لم يصل إليها الأبعد أن تفاقمت الأوضاع الداخلية فقرر الانحياز إليها لا إلى النظام الذي كان يدرك من خلال مقارباته مع معطياته الداخلية أنه بلغ مرحلة النهاية والترهل التي يتعين معها أن يغادر مقاليد الأمور فأعلن منذ اليوم الأول لنزوله إلى الشارع انحيازه لمطالب الشعب في التظاهر السلمي ثم حسم الأمر لصالح الوطن بعد خروج الملايين التي احتشدت في ميدان التحرير وغيرها من الميادين بمحافظات مصر رافضا الاستجابة لأوامر تلقاها من مبارك باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة بتفرقة المتظاهرين بالقوة وهو بذلك يرد الجميل للشعب وفق تعبير المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة والذي وقف إلى جانب مؤسسته العسكرية في كل مراحلها سواء في ثورة يوليو 1952 أو خلال إعداد القوات المسلحة للحرب بعد هزيمة يونيو 1967 أو خلال حرب أكتوبر المجيدة إن هذا الدرس يتعين استيعابه بعمق من قبل كل من القيادة السورية والليبية واليمنية بحيث توقف على الفور استخدام المؤسسة العسكرية في المواجهة مع الشعب والأهم من ذلك أن توقف هذا التداخل غير المفهوم بين الوطن والزعيم بالبقاء يتعين أن يكون للوطن وليس للزعيم على جماجم الشعوب السطر الأخير: إن غادرت وسديني بمقام العشق فأنا طفلك الذي عاش مسكونا بقصائدك مختبئا بضفائرك مطاردا بين حدائق الياقوت والمرجان في المسافة بين العينين [email protected]