11 سبتمبر 2025

تسجيل

مصيبة الموت

16 أبريل 2012

( كل نفس ذائقة الموت) صدق الله العظيم، منذ زمن لم أكن أخشى الموت لعدم استيعاب فكري مسألة من مسائل الوجود تسمى " الموت "، فعكفتُ على ترديد أنني لا أهاب الوفاة ولكن أخشى على أحبتي من بعدي في حين فقد. أفكر دائماً بأشيائي التي سأخلفها بعدي ماذا لو رأتها أمي، كيف لو اجتمع إخوتي على مائدة الحديث، فكان أن غاب وجودي، وتلاشى صوتي، وصرت من الوجود إلى اللاوجود بماذا سيشعر أبي حينها، لم تتعدَ أفكاري تلك الدائرة، حالهم وليس حالي.. إلى أن رأيتُ برهان ربي، فلا زلتُ أرتعد خشية ورهبة، أنا التي لا أخاف ولا أهاب كان أن بكيتُ ملياً أمام أربع كلها تتعلق بأكبر مصائب اللاوجود ألا وهي " الموت "، أربع دلائل تجلّت أمامي تُرسل إشعاراتٍ أن الإنسان عدو ما يجهل. الأولى، في حين قراءتي كتاب الروح لابن القيم، كنتُ أقرأه وأنا أشعر به يتغلغل إلى جسدي، يهزّ كياني ليحوّل مني إنسانة أخرى، بفكرٍ مختلف، وأفكار لا علاقة لها بي، فعلى الرغم من أن جلّ الكتاب كان فوق استيعابي أن هذا سيحلّ بي، إلا أنني كنتُ في أضعف حالاتي، أقرأ وأنتفض وأبكي جهلي ومآلي وضعفي. الثانية، في مطار طرابزون التركي، حين أبصرتُ عروساً بزفافها تركض وتبكي بهلع، ويركض وراءها رهطاً من أهلها، أُشيع بعد ذلك أنها وهي تعبر الشارع وعريسها إلى المطار، دهسته سيارة ومات في حينه، أجهلُ كم من الوقت وقفتُ، وكم من الدمع ذرفت، وكم من الهذيان أسرفت، ولكنني أعلم جيداً أن الوجود صفعني بذلك الموقف، ليُبلغني أننا ننتهي على أرضه، فيدفعنا بغتة بعيداً حيث دائرة الموت وإلى اللاوجود. الثالثة، في عزاءِ طفل توفيّ من حمى لم تمهله 24 ساعة، فتوفي في منتصف الليل، إذ هاجمته الحمى في المغرب في حين تدريس أمه له لتقديم الامتحان، ليفارقها ويفارق دروسه في منتصف الليل، كانت تبكي تحت تأثير اللاشعور، وتقسم أنها ستخرجه من قبره، لأن صغيرها يخاف الوحدة والظلام. أما الرابعة، فهي وفاة ندى - رحمها الله -، الصديقة وابنة العزيزة، وفاتها الذي قصم ظهري، وأخبرني أن الموت هو الحزن، هو اللاحياة، هو القدر الذي يُصيب كل نفسٍ على البسيطة، أذكر أنني فُزعت من وفاتها إلى الدرجة التي شعرت أن الموت يُحاذيني، ويتغزل ما بين اللحظة والثانية، وأنني إذا قمت للصلاة يلتصق بظهري، وإذا نمتُ يطبق عليّ نَفَسي، كنتُ من اليأسِ قاب قوسين أو أدنى، لولا رحمة ربي، فكنتُ أبكي ما شاء الله لي من البكاء، بكاء فقدٍ وخوف، شوقٍ ورهبة، ألم وخشية، كيف لي أن أغادر فجأة، وكيف سيجيء الموت، هل سأشهق! هل سأُصعق! هل سأُقرص! هل سأشتم رائحة! هل سأفقد البصر فجأة! بأي شكل سيكون موتي! وكيف هو حالي فيما بعد الموت وسكرته! كيف هي اللاحياة إذاً، كيف للأيام ستمضي دون أن أرى أمي وأبي! كيف للوقت أن يمر دون أن أهاتف أختي وأخي! زوجي! أبنائي! ذريتي من بعدي! آمنت بعد ذلك بأننا عباد خُلقنا للعبادة، خلفاء في الأرض، يخلقنا الله ويتوفانا بمشيئته ولا اعتراض على ذلك، بل له الحمد والمنة، آمنت أن الله رحيم بخلقه، وعباده الذين آمنوا أن لا إله إلاالله وحده لاشريك له وأن محمداً رسول الله. اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين، ووسع مدخلهم واجعل في قبورهم نوراً، ربنا وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه، ربنا وخفف علينا سكرات الموت، فأمتنا على كلمة التوحيد " لا إله إلا الله محمد رسول الله " ربنا اجعل الموت لنا راحة وخير، وأبصرنا منازلنا في الجنة، واحشرنا مع النبيين والصديقين والشهداء. " كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام " صدق الله العظيم الجادل بنت ناصر E — mail: [email protected] Twitter: @aljaadelqatar