18 سبتمبر 2025
تسجيلحاكم كولورادو السابق يشبه أمريكا بالباخرة العملاقة (تايتانيك) التي شاهدها العالم المجتمع الأمريكيينفق أكثر مما يستثمر ويتلف أكثر مما يدخر ويستورد أكثر مما يصدر تشبيه رائع ومعبر ذلك الذي طالعته مترجماً للعربية عن مقال قاسٍ وشرس حول أفول القوة الأمريكية، لقد شبه الكاتب الحضارة الامريكية الحديثة بأضواء الكواكب الميتة منذ آلاف السنين لكنا نظل نراها في السماء وهاجة بهيجة ساطعة، ونعتز بها ونظن انها تصدر عن حياة ولكنها اضواء تصلنا من كوكب انقرض وغاب بحكم قانون سرعة الضوء وسرعة الصوت. من هو كاتب هذا المقال الذي يحاكم امريكا؟ ليس عضوا في حزب الله ولا الجهاد الإسلامي وليس عدوا للولايات المتحدة ولا يكره حكامها حتى ترامب بل هو كان حاكما لولاية كولورادو لاطول مدة في تاريخها ويعمل اليوم مديرا لمركز السياسات العامة والشؤون المعاصرة لجامعة (دنفر) ونشر المقالة في مجلة (المستقبليون) يحلل فيها مؤشرات الافول وسنن السقوط وقد احسنت المجلة العربية (الاصلاح) عرض هذا المنظور الحضاري العلمي حتى نتعامل نحن العرب مع القوى العظمى بهذه الخلفية ولا نضع بيضنا السياسي والاقتصادي والثقافي في سلة أمريكا وحدها. زبدة نظرية (ريتشارد لام) ان قوة أمريكا الحالية هي حصيلة غرس الجيل السابق في الصناعة والتكنولوجيا والتعليم يتنعم بها الجيل الحاضر ولا يضيف اليها شيئا بل يبددها ويبعثرها بسياسات عرجاء وهو ما يبرر تشبيه الحالة الامريكية بأضواء الكواكب المنقرضة، وهو ما يدعو مسؤولا امريكا في حجم (لام) الى الاعتقاد بان مؤشرات الأفول والانحدار اكبر من مؤشرات استمرار القوة. يلخص (لام) الوضع الامريكي الراهن فيقول: نحن ننفق اكثر مما نستثمر (الاستثمار فاق الضرائب) ونتلف اكثر مما ندخر ونوفر، ونستورد اكثر مما نصدر وهو المؤشر الذي لا يُخطئ وسينزل بنا الى مصاف دول الدرجة الثانية الى جانب إن طلبتنا الجامعيين صنفتهم منظمة التقييم الأكاديمي الأمريكي في مستوى متدن بإزاء طلبة اوروبا واليابان، يضيف (ريتشارد لام) قائلا: ان مجتمعنا يسجل نسبة عالية من الامية واعلى نسبة في الجريمة. ويختم الكاتب حاكم كولورادو السابق مقاله بتشبيه أمريكا بالباخرة العملاقة (تايتانيك) التي شاهد العالم كله شريطها، ويقول: لقد اكد صانعوها عام 1912 انها لن تغرق ابدا وركب الناس مطمئنين وانهارت الاسطورة في اول رحلة لها يوم 14 ابريل 1912 على صخور الجليد القاسية الصلبة وهلك اغلب من فيها. ان هذه الشهادة من امريكي مسؤول في أعلى اجهزة الحكم تدعونا الى التفكير في التخطيط الاستراتيجي لمستقبلنا واعادة النظر في مباهج العولمة التي جعلتنا سكارى وما نحن بسكارى، حتى نزداد تمسكا بحقوقنا وتعلقنا بهويتنا. ولابد أن نتأمل ما جاء منذ شهرين في بيان قمة ماليزيا المصغرة لتعزيز التعاون بين الدول المسلمة وتحقيق خطوات اسلامية مباركة تقدم الأمة الاسلامية درجات كبرى الى الامام بإحياء روح وفقه التضامن الإسلامي المسالم والمتسامح المقام على تعاليم الدين السمحة وقد كان المؤتمر ناجحا في كل مجالات السياسة والاقتصاد، حيث شكل موقفا اسلاميا موحدا بين رؤساء دول تتمسك بهويتها وكبرياء أمتها ازاء الغطرسة الإسرائيلية في صفقة القرن حين قرن القول بالفعل وبدأت خطوات دول اسلامية عديدة لوضع حد للهرولة نحو التطبيع ضد القانون الدولي وضد حق الشعب الفلسطيني حتى تحترم دولة اسرائيل معاهداتها وحتى يعود الراعي لموقف الانصاف والعدل والشرعية الدولية. ثم جاء الالحاح على أهمية التنسيق الاقتصادي حتى ينجز المسلمون ما بدأ رسمه من سوق اسلامية مشتركة وما بدأه طيب الذكر نجم الدين أربكان حين جمع الدول الاسلامية الثماني في مؤتمر اسطنبول في التسعينيات وهو نفس ما دعا اليه الزعيم البوسني علي عزت بيغوفيتش وما حققه في ماليزيا مهاتير محمد وما استمر فيه رجب طيب أردوغان. ان على الجيل المسلم الراهن مسؤولية جسيمة وامانة ثقيلة فالتضامن الاسلامي هو الصراط المستقيم لاستدعاء الهوية لحماية المصالح وتأمين المصير وسيحاسبنا أولادنا غدا ان نحن قصرنا وفرطنا في تلك الاستقلالات التي دفع آباؤنا ثمنها الغالي بالامس. ثمن الحرية غالٍ وأبو القاسم الشابي شاعر تونس كان على حق حين قال: إذا الشعب يوما أراد الحياة / فلابد أن يستجيب القدر. ولابد لليل أن ينجلي / ولابد للقيد أن ينكسر. [email protected]