14 سبتمبر 2025
تسجيلالرئيس البشير خالف الذين فسروا خطابه في السابع والعشرين من شهر يناير المنصرم بأنه يعني حل الجهاز التنفيذي القائم الآن، واستبداله بجهاز تنفيذي انتقالي قومي تشترك فيه كل القوى السودانية، بما فيها قوى المعارضة بشقيها المدني والمسلح، وأن الرئيس إنما يبتدر وثبة درامية ستحقق السلام والتحول الديمقراطي الذي ظل الشعب السوداني يحلم به منذ عقد من الزمن. الرئيس حين تبرع من عنده بتفسيره الخاص الذي نفى فيه كل مزاعم المحللين والمراقبين التي زحمت أفئدة السودانيين بكثير من الآمال المتفائلة، وغير الواقعية. وجعلتهم يترقبون خطاب الرئيس البشير على أحر من جمر الغضا كما يقولون. الخطاب (المفاجأة) وصل بعد تلكؤ مضن، دون أن يحمل في ثناياه ذرة من مفاجأة. بل جاء خطابا عاديا من شاكلة الخطب الرئاسية التي ألفها الناس كثيرا في السنوات الخمس والعشرين الماضية. وشكل صدمة سياسية كبيرة للذين انتظروه بأحلام كبيرة من مؤيدي الرئيس ومن معارضيه على حد سواء. وجاءت لغته بعيدة عن اللغة التي يتحدثها أحمد وحاج أحمد، وغاص في تناولات لغوية وسياسية وفلسفية لم يستوعبها الكثيرون من الذين حرصوا على الاستماع إلى (الخطاب المفاجأة). ويبدو أن الرئاسة شعرت بالمفاجأة المعاكسة التي أحدثها خطاب الرئيس، فأرسلت عددا من مساعدي الرئيس إلى القنوات الفضائية بعد انتهاء الخطاب لكي يطمئنوا الشعب بما معناه أن ما جاء في خطاب الرئيس ما هو إلا مقدمة وأن (الغريق) قادم في الطريق بحسب ما فهم الشعب من تلك التطمينات. ولكن الرئيس أراد أن يوصل رسالته إلى الشعب مباشرة بدون وسيط. حدث ذلك عندما استغل احتفالية إقليم شرق السودان بموسمه السياحي وألقى خطابا رد فيه ردا مباشرا على التحليلات والتخريجات والتوقعات التي ماجت في الشارع حول عن وضع انتقالي جديد في السودان. وذلك حين أعلن عدة (لاءات) قضت على آمال الآملين في وضع انتقالي تشترك فيه كل القوى السياسة السودانية المعارضة والمؤيدة للوضع الحالي. أجمل الرئيس رفضه لأي تغيير في لاءات جازمة هي: لا لوضع انتقالي، لا لحكومة قومية، لا لتأجيل الانتخابات الرئاسية. لا اشتراك في الحكومة إلا عن طريق الانتخابات التي ستقام في مواعيدها في مستهل العام القادم. وختم الرئيس البشير بأن ما قصده في خطاب الوثبة هو الدعوة لبسط الحريات وليس أكثر. الطريف حقا هو أن شرطة الرئيس أطلقت الرصاص الحي على الطلاب المتظاهرين سلميا ضد الحرب دارفور. فقتلت وجرحت الذين صدقوا كلام الرئيس عن بسط الحريات قبل أن يخبو صدى كلماته. لقد علموا بعد فوات الأوان أن ليس كل ما يسمع يصدق. نتيجة هذا التراجع كانت تقدما في رقعة الحرب في دارفور حيث تمكنت قوات الثوار في دارفور من نزع العديد من البلدات والقرى من السيطرة الحكومية. وقتل أثناء ذلك خلق كثير من الجانبين. ولا عزاء للسائرين في إنفاق السودان المظلمة وقد طالت بهم المشاوير.