17 سبتمبر 2025

تسجيل

ضرورة التواضع

16 مارس 2014

شيء ما بات ينقص الكثير من الناس، فعندما تدخل مؤسسة أو وزارة حكومية تجد أن صفة التواضع مفقودة عند الأغلبية، فالناس يتعاملون معك بتعال شديد متناسين أنهم في هذا المكان من أجل خدمة عباد الله.ففي الأفراح والتجمعات وفي المناسبات العائلية وغيرها تجد السمات واضحة لمن يفتقدون نعمة التواضع، فهناك التكبر الذي يكسو وجوهم بمسحة شريرة. وأتساءل دائما لماذا بات التواضع شيئا غاليا ونفيسا؟ولماذا فقدنا صفات جميلة مع سرعة وإيقاع الحياة والأجيال الجديدة أخلاقها ليست كأخلاق آبائهم وأمهاتهم.والحقيقة أنني بحثت فوجدت التواضع مأخوذا من مادة (وضع)، التي تدل على الخفض للشيء وحطه، يقال: وضعته بالأرض وضعا، ووضعت المرأة ولدها. وأما في الاصطلاح فهو: إظهار التنزل عن المرتبة لمن يراد تعظيمه. وقيل: هو تعظيم من فوقه لفضله، وقال أحد الصالحين "التواضع هو خفض الجناح ولين الجانب"، وفيه "سئل الفضيل بن عياض- رحمه الله عن التواضع؟ فقال: يخضع للحق، وينقاد له ويقبله ممن قاله، ولو سمعه من صبي قبله، ولو سمعه من أجهل الناس قبله، وأيضا سئل الحسن البصري رحمه الله عن التواضع، فقال: "التواضع أن تخرج من منزلك ولا تلقى مسلما إلا رأيت له عليك فضلا" مصداقا لقوله تعالى " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ".والحق أقول إن إسلامنا الجميل ونبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام كان مثالا ونموذجا حيا للتواضع وقد قال صلى الله عليه وسلم للأعرابي الخائف تواضعا: «هون عليك، فإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد» [ابن ماجة]، والقديد: اللحم المملوح المجفف في الشمس، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يكون في حاجة أهله، يرقع ثوبه، ويخصف نعله، وفي المسند عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال في خطبة له: "إنا والله قد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر، وكان يعود مرضانا ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير".وفي البخاري عن ابن عباس أنه سمع عمر رضي الله عنهم يقول: على المنبر سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد فقولوا: عبدالله ورسوله».ويقول عبداللَّهِ بن أَبِي أَوْفَى في نعته: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ الذِّكْرَ، وَيُقِلُّ اللَّغْوَ، وَيُطِيلُ الصَّلَاةَ، وَيُقَصِّرُ الْخُطْبَةَ، وَلَا يَأْنَفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ فَيَقْضِيَ لَهُ الْحَاجَةَ [النسائي].ومن صور تواضعه صلى الله عليه وسلم: أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ، فَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَ عَنْهَا، فَقَالُوا مَاتَت. قَالَ:«أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي»؟ فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا فَقَالَ: «دُلُّونِي عَلَى قَبْرِها»، فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ»، فجاء قبرَها فصلى عليها [البخاري ومسلم].وعن أنس رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار، فيسلِّمُ على صبيانهم، ويمسح برؤوسهم، ويدعو لهم [ابن حبان].من صور ذلك ما رواه أنس رضي الله عنه قال: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْخَنْدَقِ، فَإِذَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنْ النَّصَبِ وَالْجُوعِ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَهْ فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ»فقالوا مجيبين له:نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا - عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا [البخاري ومسلم].وأخيرا ما نقلت من كتب السيرة عن تواضع النبي صلى الله عليه وسلم، هذا غيض من فيض وقصدت أن خير الأنام وسيد الخلق بهذا التواضع والخلق العظيم فكيف بأناس عاديين يملأهم الكبر والغرور والشعور أنهم أفضل من الناس، وأتمنى أن تختفي من مجالسنا وتجمعاتنا ومصالحنا الحكومية نظرة الاستعلاء والتكبر من عيون الناس، ونتمنى أن نقتدي بمحمد نبي الرحمة والإنسانية من وصفه ربه بأنه على خلق عظيم وسلامتكم.