11 سبتمبر 2025

تسجيل

مآلات اليمن

16 فبراير 2015

يوشك اليمن أن يصبح دولة فاشلة، إن لم يكن قد دخل هذه المنطقة فعليا بالذات مع سيطرة الجماعة الحوثية على العاصمة، ومفاصل الدولة والقيام بانقلاب واضح المعالم تجلى في إصدار إعلان دستوري، يلغي كل المؤسسات القائمة ويدعو إلى تشكيل مجلس وطني جديد ومجلس رئاسي، وبناء مرجعية عليا أطلق عليها مسمى اللجنة الثورية تؤول إليها كل الصلاحيات، وهي خطوة أشبه بولاية الفقيه المطبقة في إيران وإن اتخذت وصفا مغايرا.وجاءت هذه التطورات عقب الخطوة الأهم التي أقدمت عليها الجماعة والمتمثلة، في سيطرتها على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 20 الماضي ومنذ ذلك الوقت تحولت- كما يقول الدكتور حمود ناصر القدمي الدبلوماسي والأكاديمي متخصص في الشأن اليمني - إلى الرقم الأهم في المشهد السياسي اليمني، ولم تكتفِ بذلك، حيث أقدمت على إسقاط دار الرئاسة، في 21 يناير الماضي، بما فيها من قوة عسكرية وسلاح حديث بمختلف أنواعه، في مشهد غير مسبوق في التاريخ العسكري اليمني، بل إنها قامت بمحاصرة رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي ورئيس الحكومة خالد بحاح بحجة فشلهما في تنفيذ اتفاقية "السلم والشراكة" ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، رغم أنها كانت السبب الرئيسي والعقبة التي حالت دون تنفيذ أيٍّ من تلك الاتفاقات الموقعة، وهو ما دفع منصور وبحاح للاستقالة نظرًا لعدم قدرتهما على إدارة شؤون الدولة في ظل سيطرة الجماعة، وتحكمها في جميع مفاصل السلطة.لكن رغم سيطرة الحركة على مراكز السلطة في الدولة، فإنها -على ما يبدو- لم تكن تتوقع اتجاه الرئيس منصور إلى تقديم استقالته، فمن خلال معطيات الأحداث وعبر الآلية التي اتبعتها الجماعة منذ سيطرتها على صعدة، مرورًا بعمران وحتى وصولها العاصمة، كانت هي المتحكمة في صنع القرار في كل المناطق التي خضعت لسيطرتها، بينما تحولت مؤسسات الدولة ومسؤولو الدولة الرسميون إلى مجرد "ظل" لتنفيذ إرادة الجماعة وسياستها.واللافت في هذا السياق، هو أن هذا الوضع بقدر ما دعم من جهود الحركة في التحكم في مجمل مفاصل السلطة، بقدر ما يضعها أمام مأزق ربما لم يكن في حسبانها، خاصةً في ظل افتقادها خبرة إدارة الدولة، فضلا عن تفكك مؤسسات السلطة، ومعارضة القوى السياسية الأخرى لتصرفات الجماعة وسياستها المتبعة من إكراه وإجبار.وبوسعي القول إن الجماعة الحوثية ليست المسؤولة بمفردها عن حالة الفوضى التي دخل فيها اليمن، فالقوى السياسية والحزبية أسهمت بتقاعسها وعدم تمكنها من بلورة توافقها على أجندة وطنية وفرت البيئة للانقلاب الحوثي، ناهيك عن منهجية التآمر، التي اعتمد عليها حزب المؤتمر الشعبي وزعيمه الرئيس السابق علي عبد الله صالح والذي قدم الدعم اللوجستي، عبر أنصاره في المؤسسة العسكرية والأمنية والحرس الجمهوري للحوثيين، ليحققوا مقاربة السيطرة على العاصمة والاستيلاء على مقر الرئاسة ومحاصرة الرئيس هادي، فضلا عن ذلك الغياب الإقليمي والعربي، بل والدولي الواضح، عن محاولة التأثير على تمدد الحوثيين في بداية تقدمهم باتجاه العاصمة، وتركت الأمور تتفاقم من دون ممارسة أي ضغوط سواء سياسية أو اقتصادية أو حتى عسكرية مستترة، من خلال تقديم دعم تسليحي ومعلوماتي للجيش اليمني ليستمر في الصمود أمام الهجمة والاندفاعة الحوثية ، التي أظهرت رغبة دفينة في استعادة الماضي التليد والتمكن من دولة بحجم اليمن ومقوماتها الجيوسياسية لتكون ضمن مناطق نفوذ إيران، مثلما عبر عن ذلك مسؤولون رسميون في طهران، مظهرين قسمات الابتهاج بما أطلقوا عليه الانتصار الكبير لثورة 21 سبتمبر حسب تعبير زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الذي يبدو أنه يمارس نفس دور المرشد العام للثورة الإسلامية في إيران أو دور حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله في لبنان، وإن كان الأخير يمتلك قدرا أكبر من الذكاء السياسي من الحوثي، فهو لم يسع إلى فرض الهيمنة الكاملة على مؤسسات الدولة اللبنانية، مكتفيا بمناطق نفوذ، سواء في الضاحية أو في الجنوب، مدركا بطبيعة الحال جوهر التركيبة الداخلية في بلاده، فضلا عن التعقيدات الإقليمية والدولية المحيطة، وهي تقريبا التعقيدات ذاتها المحيطة باليمن، والذي أخشى ما أخشاه أن تقود ممارساته التي تتسم بالرعونة والعجز عن إجراء تقديرات موقف واقعية في ضوء هذه التعقيدات مراهنا على الإسناد القادم من قم وطهران فحسب.ومن المؤكد أن التحرك الخليجي الذي رغم تأخره، جاء حاسما في الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية دول مجلس التعاون بالرياض مساء أمس الأول – السبت – ينطوي على خطوة بالغة الأهمية، بعد دعوة مجلس الأمن الدولي إلى إصدار قرار تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يتيح التدخل العسكري الدولي، ردا على الانقلاب الذي نفذته جماعة الحوثي في اليمن، فمن شأن هذه الخطوة أن تدفع الجماعة الحوثية إلى تبديل مواقفها المتصلبة والرامية إلى فرض توجهاتها، عبر آلية القوة المفرطة وتغيير المعادلة والتركيبة السياسية في اليمن - وفق أهواء الزعيم، وربما طهران الداخلة بقوة على خط الأزمة اليمنية، حسب تصور لدى بعض دوائرها الحاكمة، يتمثل في أن التمدد الحوثي في اليمن يتيح لها الوصول إلى البحر الأحمر ، ومن ثم مضيق باب المندب ذي الأهمية الإستراتيجية، والتي تعادل أهمية مضيق هرمز في الخليج العربي ومعنى ذلك أنها ترغب في أن تكون قريبة من المضيقين الإستراتيجيين، الأمر الذي لن تسمح به قوى إقليمية وعربية ودولية، وقد تتداعى الأمور إلى الدخول في مرحلة من التوتر في المنطقة لا تتحمله بكل ما فيها من أزمات واضطرابات غير مسبوقة.لم يعد أمام الجماعة الحوثية التي تفتقر إلى الخبرة السياسية في إدارة دولة بحجم اليمن، فضلا عن ضيق أفقها السياسي والأيديولوجي، إلا أن تتجاوب مع مطالب شباب الثوار الذين خرجوا خلال الأيام الأخيرة في عواصم المحافظات شمالا وجنوبا رافضين الانقلاب، ومطالبين بالانسحاب من المدن والمؤسسات الحكومية التي هيمنوا عليها بقوة السلاح وما زالوا يحتلونها، ويفرضون الوصاية على مسؤوليها وإقالة من لا يتعاون معهم ، والعودة عن محاصرة الشرعية المتمثلة في الرئيس عبد ربه منصور هادي ورئيس الحكومة، وهو ما يتسق مع مضمون قرار من المفترض أن يكون مجلس الأمن الدولي -قد أصدره مساء أمس - يدعو الجماعة إلى التراجع عن الخطوات التي أقدمت عليها وحلت بموجبها البرلمان، وسيطرت على مفاصل الدولة وتطبيع الوضع الأمني في العاصمة والمحافظات، والإفراج عن الأشخاص المحتجزين والموضوعين قيد الإقامة الجبرية، وبتسليم الأسلحة التي تمّ الاستيلاء عليها من المؤسستين الأمنية والعسكرية، إلى جانب الالتزام بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ونتائج مؤتمر الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة، فهل تستجيب الجماعة لتدفع عن اليمن تداعيات تطبيق البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وتنأى به عن حرب أهلية تبدو نذرها في احتشاد القبائل ذات الدور المحوري سياسيا وعسكريا، فضلا عن حالة الاستنفار لدى تنظيم القاعدة ، وهو ما يعني دخول البلاد حربا أهلية ذات صبغة طائفية يراق فيها الدم الكثير وينتج عنها الخراب والدمار اللامحدود، والخطر الأهم هو توفير البيئة الحاضنة للحراك الجنوبي لتنفيذ تهديداته بالانسلاخ عن اليمن الموحد وإقامة دولته المستقلة.