12 سبتمبر 2025
تسجيلبعد خطابه الغامض لغة ومضمونا الذي ألقاه في مستهل الشهر الجاري، والذي تحدث فيه حديثا عاما لا جديد فيه، في حين كان الشعب السوداني كله قد تكوم أمام شاشات القنوات الفضائية ليسمع تفاصيل المفاجأة التي روجت لها تصريحات أعوان الرئيس وأجهزة إعلامه، الشيء الذي أعطى خصوم النظام فرصة نادرة للتبكيت والتنكيت والسخرية منه، لأن الخطاب خلا من أي جديد، حتى تبرع له الساخرون بالمفاجأة، فقالوا إن المفاجأة كانت هي غياب المفاجأة. الرئيس وأعوانه أخذوا تماما بردة الفعل الساخرة من الخطاب وطفقوا يشرحون ويبررون ما لا يحتاج إلى شرح أو تبرير. مثل أن الرئيس كان يلقي مقدمة وخطوطا عريضة لقرارات يتم التداول حولها في نقاشات سرية بعيدة عن أعين الإعلام يشترك فيها قادة القوى السياسية كافة، وأن الرئيس سوف يدلي بالخطاب المنتظر في ظرف أسبوع، غير أن الارتباك الرئاسي استمر واتسع واتسعت معه نغمة السخرية الجارحة، وذلك حين نفت الرئاسة أنها بصدد تقديم خطاب جديد، بل نفت بالكامل أنها تحدثت في أي وقت سابق عن مفاجأة كان يعد لها الرئيس. الآن شرعت الرئاسة في بلورة مناقشات سرية مع قادة القوى السياسية الكبيرة، واضح أنها تدور حول تقدم الحكومة ببعض التنازلات للمعارضة حول الحريات السياسية والمشاركة في وضع الدستور وفي الحكم في شكل من الأشكال ولكن بصورة لا تنهي قبضتها على مفاصل السلطة بالشكل الذي ظل مستمرا على مدى ربع قرن من الزمن. غير أن تطورين جديدين برزا في الساحة السياسية السودانية الآن لا يمكن التقليل من أهميتهما. وقد يسفران عما يمكن أن يكون مفاجأة حقيقية تعوض عن المفاجأة التي تهيأ لها الشعب قبل خطاب الرئيس ولكنها لم تأت. التطور الأول هو قبول الحكومة بالعودة إلى التفاوض مع الحركة الشعبية قطاع الشمال بعد أن كانت ألغت من جانبها الاتفاقية التي عرفت باتفاقية عرمان – نافع (28 يونيو 2012)، والتي حددت مصير منطقتي جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق وفقا لنصوص اتفاقية نيفاشا التي تركت مصير المنطقتين للتفاوض المباشر بين أصحاب العلاقة المباشرة من سكان المنطقة والقوى العسكرية الموجودة فيها. ومعروف أن قرار الرئيس البشير بإلغاء تلك الاتفاقية أدى إلى نشوب الحربين الدائرتين الآن في إقليمي جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان. جميع المختصين يقولون إن الاتفاقية الملغاة كانت قد حفظت حقوق كل الأطراف المتساكنة في المنطقتين في بنود واضحة وسهلة الصياغة لغة وقانونا. ويعيبون على الحكومة رفضها أولا من دون أسباب ثم العودة إليها بعد ثلاث سنوات تحت ضغوط عسكرية واقتصادية لا قبل لها بها. معروف أن قوات الجبهة الثورية في المنطقتين فاجأت القوات الحكومية بقدرات قتالية لم تتوقعها، فكان لابد من التراجع المتماسك قبل حدوث الكارثة في ظل اقتصاد مريض ظل يتداعى بشكل يومي منذ انفصال الجنوب. أما التطور الثاني فيتمثل في عودة العلاقة بين الرئيس البشير وغريمه الدكتور الترابي على شروط الأخير. فقد فاجأ الدكتور الترابي حلفاءه في تجمع المعارضة بأنه قبل التفاوض مع حزب الرئيس البشير بما قد يفضي إلى توحد الإسلاميين مجددا ودخولهم الانتخابات كحزب واحد. حدث هذا التطور رغم أن الشيخ الترابي ظل ينادي بإطاحة نظام البشير وتقديم قادته للمحاكمة بتهم الفساد والاستبداد قبل أسبوع واحد! ولا يمكن أن يصدق أحد أن هذه التحولات جاءت بلا حسابات جديدة ودقيقة. قد يتحتم على الشعب السوداني أن ينتظر أياما قليلة بعد أن انتظر ربع قرن من الزمن، مع تقلبات أوضاعه السياسية غير المواتية.