11 سبتمبر 2025

تسجيل

دستور ملطخ بالدماء

16 يناير 2014

توجب على الانقلابيين في مصر حشد أكثر من نصف مليون عسكري لحماية "عرسهم الديمقراطي" في مصر، للاستفتاء على "دستور الخمسين"، فهذا "العرس" احتاج إلى 160 ألف جندي من القوات المسلحة المصرية و220 ألف شرطي من و120 ألف عسكري من جنود الأمن المركزي، بالإضافة إلى العسكر كل ما لديهم من عسس وبلطجية وفلول من أجل تمرير دستورهم. رغم ذلك جاءت النتيجة مذلة، فلم يشارك في اليوم الأول أكثر من 8 في المائة من المصريين ولم تتجاوز نسبة المشاركين في السعودية، التي تضم أكبر جالية مصرية بين دول العالم 7 في المائة وقاطع الاستفتاء 93 في المائة في ضربة مدوية للانقلابيين ودستورهم.بوصلة المصريين جاءت واضحة للتعبير عن رفض الانقلاب والانقلابيين وكل ما يصدر عنهم، فالجنرالات الانقلابيون المدعومون من الفلول والفاسدين والقوميين واليساريين والليبيراليين والذين يديرون جيشا من البلطجية، يحاولون صناعة "ديمقراطية مزيفة" من أجل إحكام سيطرتهم على السلطة وتمهيد الطريق أمام "الجنرال السيسي" لكي يعيد الرئاسة ثانية إلى حضن الجيش بعد خروجها إلى رئيس مدني.الدساتير تسن لكي تكون "عقدا اجتماعيا" بين الحاكم والمحكوم، ولكي يكون "وثيقة مرجعية" يتراضى عليها الناس، أو غالبيتهم من أجل إدارة حياتهم، تكون فيها الحكومات "مجرد خادم" للشعب، وأن الرئيس ورئيس الوزراء والوزراء موظفون عند الشعب، وأنهم سيحاسبون على أعمالهم، هذه هي فكرة الدساتير، فهي لا تضع أحدا فوق القانون ولا تخلق "إمبراطوريات" موازية أو كيانات عميقة، ولا تحول المؤسسة العسكرية إلى "جهاز مقدس" لا يمكن المس بها كما ينص ما يسمى دستور الانقلابيين الذي منح "الجيش" حصانة تجعل منه دولة داخل الدولة، وتجعل له الكلمة العليا دائما، وتحوله إلى "وصي" على الشعب والحكومة والدستور، ويصبح "حارسا لمصالح الجنرالات وامتيازاتهم وإمبراطوريتهم الاقتصادية ونفوذهم الاجتماعية والسياسي" كما كان دستور العسكر في تركيا ينص على أن "الجيش حارس العلمانية"، مما يخرق المنطق الديمقراطي والمساواة.هذا "الدستور الانقلابي" الملطخ بالدم يبنى على القمع وعدم إخضاع المؤسسات الأمنية للرقابة الشعبية ومحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، ويضع مصر في قبضة الجنرالات، ويمهد الطريق من أجل استخدام الاستفتاء لمبايعة السيسي رئيسا. وهذا ما يفسر لماذا حشد السيسي وجنرالاته نصف مليون عسكري ووظفوا كل قدرات الدولة لإخضاع الشعب للانقلاب، والقبض على الناشطين المعارضين وإطلاق النار على المظاهرات الرافضة للانقلاب والاستفتاء وقتل وجرح المئات واعتقال آلاف المعارضين حتى ممن أيدوا الانقلاب في بدايته لأنهم عارضوا حكم العسكر مما أوصل عدد المعتقلين إلى 15 ألف شخص.وكما قال ميشيل دن من مؤسسة كارينغي للسلام الدولي فإن "الجنرالات في مصر يتلاعبون بالانتخابات من أجل إقصاء المعارضة"، وذهبت جريدة واشنطن بوست الأمريكية إلى القول: "تحت هذه الظروف بدا واضحا أن خارطة الطريق نحو الديمقراطية التي أعلن عنها الفريق السيسي ما هي إلا ورقة توت تغطي استعادة نظام ما قبل 2011 ولكن بطريقة أكثر خبثا"، وتضيف: رغم ذلك تناور إدارة أوباما من أجل استئناف المساعدات الأمريوكية، سوف تقدم للانقلابيين مليار دولار في حال إقرار "الدستور الجديد" بحجة "دعم التحول الديمقراطي" بالإضافة إلى نصف مليار دولار بعد أن تقدم الإدارة الأمريكية "شهادة" بأن الحكومة المصرية تتخذ خطوات نحو الحكم الديمقراطي، ووصفت الواشنطن بوست ما تقوم به إدارة أوباما بأنه "تصديق على استبداد جديد في مصر" وتجاهل للداعين الحقيقيين للديمقراطية والقابعين في السجون".الأساسات التي بنيت عليها فكرة "الدستور الانقلابي" باطلة من حيث المعايير الديمقراطية، فالانطلاقة كانت من طلب السيسي "تفويضا" لمحاربة الإرهاب، الذي يعني " الرئيس المنتخب شرعيا ومن يدعمه"، ثم حشد الأقباط والبلطجية والفلول في "مهرجان الحشد والتأييد في 30 يونيو" وصولا إلى الانقلاب المشؤوم في 3 يوليو والذي أدى إلى مقتل 5000 آلاف مواطن على الأقل وحرق الجثث وجرفها بالجرافات واقتحام المساجد واعتقال آلاف المؤيدين للشرعية وارتكب مجازر وحشية، واعتقل النساء والبنات الصغيرات وحكم عليهن بالسجن لمدد وصلت إلى 11 عاما وحكم وتحرش بهن وانتهك الأعراض واستباح الجامعات وقتل الطلاب وأصدر أحكاما بسجن طلاب لمدة 17 عاما، وأغلق جميع وسائل الإعلام الإسلامية أو المعارضة للانقلاب واعتقل الصحفيين، وأغلق الجمعيات الإسلامية وجمد أموالها وترك 3 ملايين مريض في العراء واقتحم المستوصفات الصحية ودمر الأجهزة الطبية الثمينة، وحرض مطربين على إصدار أغان تقسم الشعب "انتو شعب وإحنا شعب"، واستخدم وسائل الإعلام لبث الكراهية والتحريض، ووضع الجيش فوق الشعب والحكومة والرئيس، بل فوق الدولة كلها، وشكل لجنة غير منتخبة وهي "عصابة الخمسين"، لتنظيف الدستور، الذي وافق عليها 64 من المصريين، من الإسلام والشريعة والعروبة وتعريب التعلم ومكافحة الفساد وحراسة القيم وتعريف الأسرة ووضع "دستور على المقاس" لا يحظى بأي توافق وفرض عملية استفتاء قصرية في ظل الدبابات والمدرعات ونصف مليون عسكري.استفتاء الانقلابيين ليس أكثر من مهزلة تضاف إلى مهازل هذا الانقلاب الأكثر غباء في التاريخ، وهو يؤسس لمرحلة من عدم الاستقرار والعنف والانهيار الاقتصادي والتردي المجتمعي، وإذا كان الفلول قد نجحوا "بشل" مصر كلها خلال عام كامل من حكم الرئيس مرسي، فإن هذا الشلل سيستمر في عملية معكوسة هذه المرة لأن مؤيدي الشرعية ومعارضي الانقلاب سوف يستمرون بالتظاهر والتصعيد ولن يتمكن الجنرالات الانقلابيون من فرض الأمر الواقع، لأن دستورهم ملطخ بالدماء، وهو وليد غير شرعي لانقلاب اغتصب السلطة من الشعب.