11 سبتمبر 2025
تسجيلتعكس زيارة علي صالحي وزير الخارجية الإيراني للقاهرة يومي الأربعاء والخميس الماضيين وإجرائه سلسلة من اللقاءات مع رموز سياسية ودينية مصرية تحولا نوعيا باتجاه استعادة الدفء المفقود في علاقات بلاده مع المحروسة. صحيح أن ثمة صحوة شهدتها العلاقات عقب سقوط نظام مبارك قبل نحو عامين إلا أنها لم تبلغ مستوى الدفء المنشود ربما لاعتبارات تعود إلى عدم حسم النخبة السياسية الجديدة في مصر لخياراتها تجاه طهران وفي الآن ذاته فإن ثمة دوائر في إيران ما زالت تتخوف من الاندفاع تجاه القاهرة.شخصيا لست من دعاة وضع إيران في دائرة الخصوم والأعداء سواء للأمة العربية أو لمصر تحديدا في ظل بعض القناعات التي صدرت سواء من منطقة الخليج أو من المحروسة ذاتها في السنوات الأخيرة التي تجلت في أن إيران هي أشد خطرا على الأمن القومي العربي في مجمله أو على أمن مصر من الكيان الصهيوني ويقيني أن ما تسعى إليه طهران من مصالح وتكريس لدورها الإقليمي في المنطقة لا يبلغ مستوى التهديد للأمن القومي سواء العربي أو المصري ولكن بالتأكيد ثمة تناقضات بين الطرفين العربي والمصري من ناحية والإيراني من ناحية أخرى، هي التي تبعث على القلق خاصة لدى النخب السياسية في منطقة الخليج العربي وفي مصر والمسؤولية تقع على طهران التي تتجاهل في خطابها السياسي والإعلامي بعض الثوابت والمبدئيات في المنطقة العربية على نحو يصنفها فيه البعض في دائرة الخصوم أو الأعداء.وهو ما يتبدى في جملة من المعطيات في مقدمتها إصرارها على احتلال ثلاث من الجزر الإماراتية طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى والتي تعتبرها خطا أحمر بالنسبة لأمنها القومي وهو أمر تتفق عليه النخبة السياسية الإيرانية بكل اتجاهاتها وتبايناتها الفكرية والأيديولوجية. فضلا عن حرصها وتمسكها بإطلاق وصف الخليج الفارسي على الخليج العربي تحت حجة أنها تملك أطول سواحل عليه في تجاهل لعروبة الخليج وفق محددات التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا وكان لافتا أن صالحي وزير الخارجية تعمد استخدام تعبير الخليج الفارسي في قلب العروبة القاهرة خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نظيره المصري محمد كامل عمرو يوم الخميس الفائت وهو ما قوبل باستهجان واضح من دوائر عربية خاصة أن الوزير المصري لم يشأ أن يعقب عليه لا تلميحا أو تصريحا ربما لاعتبارات الضيافة واللباقة الدبلوماسية ولكنها – أي هذه الاعتبارات – لا يبتغى أن تحول دون وقف أي تجاوز يتماس مع الحقائق وضمن إطار لا يخرج عن هذه الاعتبارات خاصة أن هناك مقولة تؤكدها القيادة السياسية والدبلوماسية المصرية الجديدة مؤداها أن أمن الخليج خط أحمر.ولعل المعضلة الكبرى في السياسات الإيرانية تجاه المنطقة العربية تكمن في الموقف المنحاز بالكامل إلى نظام بشار الأسد في سوريا وهو موقف لا يتسق مع التوجهات الثورية التي من المفترض أن تحكم منظور طهران لما يحدث في هذا البلد العربي الذي يشهد ثورة شعبية بكل المقاييس سعيا للتخلص من حكم استبدادي تعسفي ولإقامة نظام جديد يقوم على مبدأ المواطنة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وهو ما وضع إيران في خانة الدولة المعادية لمصالح الشعب السوري ويتساءل المراقبون وكاتب هذه السطور منهم حول محددات هذا الموقف المنحاز، وهل تنهض على أسس مذهبية وطائفية، فقد أيدت طهران الثورات المصرية والتونسية والليبية بل واليمنية فلماذا تناهض ثورة الشعب السوري بل وتقدم الإسناد اللوجستي والمالي بل والبشري لبشار وزمرته الحاكمة دون أن تتوقف نخبتها السياسية والأمنية عند وقائع القتل التي يمارسها النظام ضد الشعب فهل تشكل المذهبية والطائفية اعتبارا يحظى بالأولوية خصما من المبدئية ومنظومة القيم والانحياز لمطالب الشعوب العادلة.لاشك أن هذه المعطيات لا تنطوي على رسائل إيجابية على صعيد استعادة الدفء المصري الإيراني لأنه حتى لو عاد على نحو أو آخر فإنه لن يحظى بالرضا والقبول العام سواء في مصر أوفي عمقها العربي. ومع ذلك فإنني أكرر أنه من الضروري السعي بقوة إلى محاورة طهران وعدم تجاهلها كقوة إقليمية كبرى لها مصالحها المقدرة بل وإدخالها كشريك في التنمية والأمن الإقليمي بشرط أن تحترم خيارات شعوب المنطقة العربية وتتجنب الانحيازات القائمة على الخيارات المذهبية والطائفية مثلما يحدث على سبيل المثال في البحرين والتي رصدت خلال زيارتي للمنامة في ديسمبر المنصرم بعضا من الضيق الرسمي والنخبوي أيضاً.إن إيران بموروثها الحضاري وثقلها الديموغرافي وموقعها وقدراتها ومقوماتها الاقتصادية والتنموية يمكن أن تشكل قيمة مضافة لمصر ولغيرها في المنطقة العربية ولعل مصر بالذات في حاجة إلى الاستفادة من التجربة الإيرانية في النمو الصناعي والتقدم التكنولوجي خاصة في مجال صناعة التسليح والقدرات العسكرية العالية وإيران في حاجة إلى مصر القوة الإقليمية الكبرى خاصة أنها مقدمة على صحوة كبرى بعد أن تستعيد عافيتها الاقتصادية والأمنية في غضون فترة لن تتجاوز عامين وبالتالي فإن ثمة ضرورة لعلاقات مصرية إيرانية تقوم على الندية وتبادل المنافع والمصالح وتعظيمها لدى الطرفين غير أن ذلك يستوجب توافر قدر من النوايا الطيبة والصادقة بمنأى عما يراه هذا الطرف أو ذاك من أرباح آنية ضيقة الأفق لا تفيد على المدى البعيد أو وفق المنظور الإستراتيجيوحسنا فعل وزير الخارجية الإيراني عندما التقى خلال زيارته للقاهرة بالدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر رجل الاستنارة الدينية والذي لا يحمل مفهوما عدائيا تجاه الدولة الإيرانية أو مذهبها الشيعي إلا بقدر ما تحاول أن تظهره من نية لتسويق هذا المذهب في مصر وهو ما نفاه وزير الخارجية الإيرانية في اللقاء ولكن يبدو أن ثمة دوائر في طهران تتحرك من وراء ظهر الدولة وهو ما يمكن أن يصب في منحى سلبي لا يخدم مسار استعادة الدفء الذي يتطلع إليه الجانبان المصري والإيراني خاصة أن تيارا واسعا داخل الجماعات السلفية المتحالفة مع جماعة الإخوان المسلمين تتصدى بقوة لهذا المسار باعتباره خطرا على الإسلام وهو ما استمعت إليه شخصيا من إمام المسجد في خطبة الجمعة الفائتة القريب من منزلي وهو سلفي حتى النخاع مبديا الكثير من المخاوف مما أسماه التقارب المصري الفارسي معتمدا على أسس مذهبية ضيقة الأفق أيضاالسطر الأخير: أنت وجهي الذي أبحث عنهسلطاني الذي يحتوينيحقول حنطتي التي تؤوينيفتداعى إلىبثي ألقك المسافرأعيديني إلى سيرتي الأولى