12 سبتمبر 2025
تسجيلأضفت القمة الخليجية الخامسة والثلاثون التي احتضنتها الدوحة يوم الثلاثاء المنصرم زخما إضافيا لمسار منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية على الصعد كافة. وذلك بعد أن كرست المصالحة الخليجية - الخليجية. واستعادت روحها التضامنية والتكاملية والتى تشكل جوهر المشروع الخليجى. الذي انطلق في الخامس والعشرين من مايو في مدينة أبو ظبى في العام. 1981 مفتتحا زمانا جديدا في تاريخ المنطقة . التى ظلت مئات الأعوام في حالة تناحر وتنابز وتناقض. بيد أن الرابح الأكبر في هذه القمة كان التكامل الخليجى الاقتصادي . والذي حظي بدفعة قوية من قادة الدول الست اقتناعا منهم بأنه المدخل الصحيح لبناء التكتل المأمول الذي من شأنه أن يشكل رقما مهما في المعادلة الإقليمية والدولية.وفى هذا السياق. فقد توافق القادة على مجمل الخطوات الرامية إلى الوصول للوضع النهائي للاتحاد الجمركي. واعتمدوا القواعد والمبادئ الموحدة لتكامل الأسواق المالية بدول المجلس بصفة استرشادية، لحين الانتهاء من منظومة القواعد الموحدة لتحقيق التكامل في الأسواق المالية بدول المجلس. وأعطوا توجيهاتهم إلى الدوائر المعنية بسرعة الانتهاء من دراسة الاستراتيجية الشاملة بعيدة المدى للمياه لدول مجلس التعاون على نحو يحقق الربط المائي والأمن المائي لدول المجلس . وقرروا الانتهاء من مشروع سكة حديد مجلس التعاون والذي وصفه البيان الختامي لقمة الدوحة بالحيوي والاستراتيجي في العام 2018. وذلك لما ينطوي عليه من أهمية بالغة في تسهيل التجارة وانتقال الأفراد بين دول المجلس. كما أحيط القادة بالتقدم المتحقق على صعيد الاتحاد النقدي لمجلس التعاون، وبالخطوات التي اتخذتها دول المجلس لتنفيذ السوق الخليجية المشتركة لتفعيل وتعظيم استفادة مواطني دول المجلس من مجالات السوق الخليجية المشتركة. مؤكدين على أهمية الاستمرار في خطوات التكامل بين دول المجلس في شتى المجالات الاقتصادية، ووجهوا بتكثيف الجهود لتنفيذ قراراته بشأن العمل المشترك فيما يتعلق بالمجالات المنصوص عليها في الاتفاقية الاقتصادية.صحيح أن ثمة خلافات وتباينات في المواقف بين أطراف المنظومة وقعت في السنوات الأخيرة . ومع ذلك تحقق تحول نسبي على صعيد التكامل الخليجي. وحسبما تشير الأرقام إلى فإن حجم التجارة الخارجية لدول المجلس تقدر بنحو 1.3 تريليون دولار، منها 950 مليار دولار للصادرات ونحو 450 مليار دولار للواردات، وتقدر التجارة البينية بنحو 100 مليار دولار سنويا، وقد تطورت من 32 مليارا" في العام 2005، وذلك نتيجة تفعيل اتفاقية الاتحاد الجمركي وبدء العمل بالسوق الخليجية المشتركة عام 2008، إضافة إلى زيادة وتيرة التنوع الاقتصادي والتنمية الصناعية الخليجية.كما تميزت السنوات الأخيرة بالعديد من الإنجازات التي يعيشها المواطن الخليجي، سواء فيما يتعلق بالانتقال والإقامة والعمل، بالبطاقة بين الدول الأعضاء، أو على صعيد ممارسة النشاط الاقتصادي والتجاري وانسيابية رؤوس الأموال، وحق المساهمة في الشركات التي تؤسس في دول المجلس، أو شراء أسهم الشركات المساهمة من الأسواق المالية، ثم تملك العقار لأغراض السكن أو الاستثمار، ولكن رغم ذلك تتبقى هناك صعوبات كثيرة تواجه تطبيق بنود الاتحاد الجمركي، وتسهيل عبور البضائع على الحدود بين الدول، مع الإشارة إلى أنه تم الاتفاق في مايو الماضي على حل آخر الخلافات التي تتعلق بتقاسم الإيرادات الجمركية على أن يبدأ التطبيق الفعلي في مطلع العام 2015.أما بالنسبة للاتحاد النقدي وإصدار العملة الخليجية الموحدة فهناك صعوبات تواجه إنجازهما نتيجة خلافات بين الدول الأعضاء، مع العلم أن قمة مسقط الخليجية في العام 2001، قررت تطوير الاتفاقية الموحدة، حيث جاء في البند الرابع " من أجل الوصول إلى الاتحاد النقدي والوحدة الاقتصادية، بما في ذلك العملة الموحدة فإن الأمر يتطلب تحديد جدول زمني لخلق متطلبات الوحدة، التي أبرزها تناسق السياسات الاقتصادية، خصوصا" المالية والنقدية، والتشريعات الخاصة بالمصارف ووضع المعايير والأسس الكفيلة بحل التناقضات والتباين في السياسات المحلية للدول الأعضاء. ومع ذلك فإنه ما زال مطلوبا المزيد من الآليات التي من شأنها أن تعلي من قيمة التكامل -إن جاز التعبير - خلال المرحلة القادمة . واستغلالا لهذه الروح الجديدة التي أفرزتها قمة الدوحة حتى يمكن بالفعل مواجهة متطلبات المواطنة الخليجية - على حد قول عبدالرحمن بن حمد العطية الأمين العام السابق لمجلس التعاون الخليجي - حتى يشعربها ويلمسها مواطنو دول مجلس التعاون في انسيابية تتجلى. في عمليات التنقل والعمل والتجارة والاستثمار والتعليم والصحة والخدمات الاجتماعية من دون أية عقبات، مع تعزيز مشاركة المرأة في التنمية الشاملة تحقيقاً لمتطلبات المواطنة الخليجية - وحسب منظوره - فإنه بات من الضرورة بمكان . الإسراع في تشكيل الهيئة القضائية والتي نصّت عليها الاتفاقية الاقتصادية لمجلس التعاون، وإعطاء قرارات السوق المشتركة المزيد من المصداقية، فضلا عن الاتحاد الجمركي والاتحاد النقدي بالذات على صعيد إزالة العوائق التي تعترض التطبيق الفعلي لكي يلبي ذلك طموحات المواطنين. لقد برز في الآونة الأخيرة متغير إضافي يتمثل في الهبوط الحاد الذي طال القيمة السوقية للنفط. والذي يشكل المصدر الرئيس لدخلها القومي. بعد أن فقد مايقارب 45 % منها خلال الأشهر القليلة الماضية وما تزال التوقعات متشائمة في هذا الشأن. حيث صدرت تقارير حديثة تتحدث عن زيادة في المعروض من النفط خلال النصف الأول العام المقبل. مما قد يدفع الأسعار إلى مزيد من الهبوط الأمر الذي يستوجب العمل على تفعيل دور مجلس التعاون الخليجي في دفع مسيرة التكامل الاقتصادي والوحدة الاقتصادية. وتعزيز دور القطاع الخاص في التنمية لمواجهة التحديات المستجدة على الساحة الاقتصادية الدولية وذلك من خلال التنسيق الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي. وتقليل الازدواجية في المشاريع لمنع التنافس غير الإيجابي . وكذلك تنويع القاعدة الإنتاجية على المدى البعيد وهو ما يجسد الأهمية الكبرى للتعاون الإيجابي والعمل المشترك لحماية اقتصادات دول مجلس التعاون باعتبارها مصدر الطاقة في العالم . وحماية أسواقها وذلك يستدعى بدوره أن تسعى منظومة دول مجلس التعاون إلى توحيد إجراءاتها الاقتصادية والقانونية وأساليب التخطيط الاقتصادي لكي تشكل عاملا مهما في تعزيز توجهها نحو التكامل الاقتصادي وتمهد نحو وحدتها الاقتصادية. إن التكامل الخليجي. هو الخيار الوحيد المتاح أمام منظومة دول مجلس التعاون. بحسبانه الطريق المؤدي إلى الاتحاد أو الوحدة الخليجية المنشودة على المدى الطويل عندما تكتمل المقومات الموضوعية في المنطقة والإقليم. وهو أمر من الصعب الفكاك منه. خصوصا أن هناك من يتدبر للمستقبل ويحتاط للحاضر وتحدياته في داخل كل دولة خليجية وعلى المستوى الإقليمي. حيث يتعرض النظام الإقليمي العربي لواقع شديد الصعوبة في ظل موجة ثورات الربيع وتداعياتها، وتعرض الأمن والاستقرار السياسي لدول عربية مركزية للخطر، خاصة مصر وليبيا وسوريا والعراق، ومع تحالفات إقليمية دولية، تبرز مع الدور الإيراني المتصاعد، والتقارب الأمريكي – الإيراني، وما استتبعه من تقارب إيراني- تركي، وحتى تركي – إسرائيلي، فضلا عن تحالفات مع جماعات إرهابية بمشاركة أطراف عربية.ولاشك أن الاستمرار في العملية التكاملية الخليجية ليس بمنأى عن التطورات والتحديات السياسية المحيطة بدول المجلس خاصة مع تصاعد التحديات الأمنية، خاصة فيما يتعلق بالإرهاب ذي الوجه الديني، وبروز عدد من المعضلات السياسية التي باتت تلقي بظلالها على أوضاع المنطقة ككل بالنظر إلى مسارات التطور التي تأخذها حالياً عمليات التحول السياسي في بعض الدول، علاوة على سعي بعض الدول في الإقليم لامتلاك أسلحة الدمار الشامل، التي يمكن أن تتسبب في تغيير موازين القوى بالمنطقة، وتفتح باباً واسعاً للتأثير سلباً على أمن شعوبها واستقرار دولها. إن هناك جملة هذه التحديات تفرض على منظومة دول مجلس التعاون العمل معاً وبشكل مضاعف لتنسيق الجهود والمواقف لتحقيق متطلبات الأمن الضرورية لها سواء فيما بينها أو مع الدول الكبرى المعنية بالحفاظ على مقومات الاستقرار العالمي وذلك لتأمين المصالح الحيوية لدول الإقليم وتجنيبه التوترات التي تحدق به من جميع الجوانب والأطراف