11 سبتمبر 2025
تسجيلكثير من زعماء العالم وضعوا بصمات في الوجدان الإنساني من خلال ممارستهم العمل السياسي بروح أخلاقية نبيلة جعلتهم أساطير وعظام، وذلك لأن السياسة في جوهرها لعب بالنار ولا يمكن الجمع فيها بين السلوك الأخلاقي والإنجاز، وذلك ما جعل بعضهم يصفها بأنها "لعبة قذرة" وعليه فإن عظمة السياسي إنما تأتي من ممارستها بشرف ونزاهة الأمر الذي لا ينجح فيه الكثيرون. آخر أولئك العظماء الزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا الذي اكتوى بأبشع صنوف التعذيب السياسي بالاعتقال وإهدار الحرية له ولشعبه غير أنه صبر وقاوم وقدم نموذجه الإنساني والسياسي بكل شرف فكسب محبة العالم وأصبح أيقونة الحرية والسلام لشعوب العالم، وقبله كان المهاتما غاندي الذي اعتمد مبدأ "الأهنسسا" أو اللاعنف ونجح في مقاومة المستعمر الإنجليزي حتى إجلائه من بلاده وكان نموذجه السياسي مشرفا وملهما. والقائمة تطول بأولئك الزعماء وأبطال النضال الوطني، ومنهم جيفارا وغيره ممن لم يحصلوا على ذات السمعة الدولية في مقاومة الظلم والاستعمار والفساد والاستعباد، ما يعطي الأمل بأنه يمكن ممارسة السياسة النظيفة حينما يكون القائد أو الزعيم نظيفا وقويا في نفسه وعقله الواعي لاختراقات العدو الداخلي والخارجي، وحين يجعل نفسه فداء لقومه وشعبه في بعد إنساني يتجه إلى مضامين ومفاهيم إنسانية راقية ونبيلة. تجربة غاندي أو مانديلا أو جيفارا تتعدّى الجانب الوطني القطري إلى أفق عالمي يستهدف الإنسانية، ولذلك وجدت صداها وأسمعت كلماتهم شعوب العالمين ومنحتهم قوة في الصبر على الظلم ومقاومته سلميا وفي ظروف مقاومة سلمية وسليمة لا تتعرض لاختراقات من قوى ظلامية تهدر طاقة الكفاح والنضال والعدالة وتحوّل الأبطال إلى ضحايا وتعبث باستحقاقات الشعوب التي تتطلع إلى مستقبل وواقع أفضل. مانديلا آخر العباقرة الذين غادروا الإنسانية وترجل الرجل بعد عمر طويل قضى معظمه في السجون والمعتقلات، وبقدر ما تعرض وشعبه للظلم فإنه فتح كثيرا من نوافذ الأمل لشعبه وللبشرية، فهل تستشرف الإنسانية والعالم غدا أفضل استلهاما لأسلوبه السياسي؟ يمكن للشعوب أن تنتج مزيدا من أشباه مانديلا وغاندي وجيفارا ولكن هل يصمدون حتى الرمق الأخير ولا تعبث بهم المتغيرات؟ إننا في عالم أكثر وحشية، وظلام بحاجة للإبقاء على بؤرة ضوء تمنح الأجيال أملا ووعدا بأنه يمكننا أن نعيش بسلام يعم الدنيا حين نتبع خطوات مضيئة مثل تلك التي تركها أمثال هؤلاء.