15 سبتمبر 2025

تسجيل

قهر فتاة فلسطينية

15 ديسمبر 2011

تستضيف إحدى المدن الخليجية البارزة على مستوى العالم وريثة سلسلة فنادق هيلتون العالمية الممثلة باريس هيلتون لتصوير حلقات مسلسلها الجديد والذي يندرج تحت مسلسلات الواقع وسط اهتمام إعلامي غير مسبوق لهذه المرأة المشهورة بأنها لعوب وصاحبة مغامرات عاطفية وفضائح جنسية لا تعد ولا تحصى وأنا لست ممن يقيمون سياسة هذه المدينة التي تعد قبلة مفتوحة جداً لكل مظاهر السياحة غير المقننة والتي لا يعد أي شيء فيها من المحرمات أو الممنوعات ولكني أستغرب من ذلك الإعلام (الخليجي والعربي) الذي سقط على رأس هيلتون كما يتساقط الذباب على الجيف المتعفنة.. أستغرب من الصحفيين الخليجيين والعرب الذين تسارعوا حينما طلت باريس من بوابة القادمين للمطار وكيف حاولوا التقاط الصور والأحاديث السريعة وتسجيل الانطباعات الأولى لفتاة هوليوود لدى قدومها لمدينة خليجية ستلقى فيها ما تريده حتى وإن أرادت متابعة فضائحها المخزية فلا فرق بين هناك وهنا!!.. فماذا دهى إعلامنا إن أصبح همه ملاحقة مثل هؤلاء الذين لا قيم ولا دين ولا انضباط لهم وسط مخاطر لم تعد محدقة بالأمة بل إن الأمة تغرق في توابعها ويكاد أن يفنى كل شيء حي وملتزم فيها؟!!.. من هي تلك الباريس لتكون الملكة غير المتوجة والتي استقبلتموها بالورود وثياب (النشل) الخليجية وتوجتم رأسها بالذهب ويديها بكفوفه؟!.. من هي تلك التي صرحت أثناء العدوان على غزة من قبل القوات الإسرائيلية الآثمة وهي ترى أجساد الأطفال البريئة تحت ثقل البيوت المدمرة إن إسرائيل تدافع عن أمنها وأمن أطفالها؟!!.. هل هذا هو الجزاء وهذا هو الثواب الذي يجب أن يكون لامرأة مثلها؟.. أن نكسوها بالذهب ونستقبلها مثل الأميرة وهي أصغر من أن نقبل وجودها على أرضنا؟!.. إلى متى سيكون إعلامنا مغرر به إلى هذه الدرجة التي لم تعد تفرق بين غث تافه وسمين غني مهمل؟!.. إلى متى سنظل أسرى ننتظر ما يتمخض به الرحم الغربي من توافه مشوهة لا ترقى بنا وبديننا وقيمنا وانضباطنا؟!.. لماذا ننسى الأهم والمهم ونتعلق بتلابيب هشة خرقاء لمجرد أنها تلمع زيفاً؟!.. فما الذي فعلته هذه الهيلتون لكي تجد هذا الاستقبال المهيب وملايين من اللاجئين الفلسطينيين ترفض دول عربية استقبالهم وإيواءهم إلا بقليل من الخيم والمساعدات رغم تورط حكوماتها في تأكيد وتثبيت الاحتلال الإسرائيلي لأراضيهم فلا هم يعيشون في دولتهم ولم يلقوا دولا بديلة لها؟!!.. فهل تسمون ذلك كرماً؟!.. فقد سمعت عن إكرام الضيوف لكن مثل هذه وغيرها فحرام عليهم أن يكن ضيوفاً في دول خليجية عربية إسلامية يجب أن تتمتع بأقل صفات المؤازرة لكل شعب متضرر من دولة باريس وغيرها.. وليس من اللائق إنه في الوقت الذي لا يلقى الطفل الفلسطيني مدرسة ليتابع سنته الدراسية التي ألغاها العدوان الإسرائيلي الإرهابي وحولها قسراً إلى إجازة صيفية مبكرة نرى بيننا مَن يستقبل أشخاصا يلقون في دولهم اهتماماً غير اعتيادي استقبال الفاتحين وكأن هيلتون تنتظر الضيافة منا رغم استطاعتها لاستضافة شعوب على حسابها!!.. فإلى متى هذا التظاهر بالحداثة الفارغة ومحاولاتنا المستميتة لأن نعبر عن تطورنا بينما مضمون العمل وآلية ترجمته يسيران إلى التخلف بعينه؟!.. وطبعاً هذا ما يتفاخر الغرب بنجاحه بيننا بكل اقتدار.. هكذا يريدوننا أسرى الشهوات والملذات والغناء واللهو وما هو مهم فعلاً فهو كفاف لا يليق بسمعتنا كدول خليجية نفطية كبرى تغرق في ثراء فاحش!.. هكذا يحبوننا وهكذا يريدوننا ونحن لا نحتاج لكثير من الجهد لنكون كما يودون.. قليل من الغناء وكلمات الحب والهيام وكثير من الإغراءات الأنثوية الجسدية وتسليط الضوء على نجومهم والباقي اتركوه علينا!. صدقوني إنني أكتب هذا المقال وانا أستعرض صور استقبال باريس هيلتون ومشاهد من الاحتفالية الضخمة التي جرت لها للأيام الأولى من لقطات فيلمها الذي سيصور معظمه على الشواطئ العارية من كل قيم وأخلاق، وفي الجهة المقابلة أرى الفلسطيني وهو يبحث عن لقمة يسد بها رمق عائلته وطفلا يتجول بالشوارع الغارقة بالدخان والدمار في الوقت الذي يتنعم به أطفال العرب بفصول وكتب مدرسية وبإجازة صيفية هادئة وأما لا تزال تحصي كل ليلة كم بقي من أطفالها ومن يمكن أن يغادرها صباح اليوم التالي!!.. أكتب هذا المقال وأنا أرى إعلامنا العربي الذي يهوي — بمزاجه — إلى حضيض تافه وهوامش فارغة من أي مضمون لا معنى له، بينما إعلام الغرب الجاد يمضي نحو تتبع تسلح دولة وقوتها واستقرارها وتمكينها من تثبيت هويتها كبلدان قوية يعمل لها ألف حساب وحساب فلا يغلب اللهو عن الجد لديه على عكسنا تماماً فما أن تحدث مصيبة عربية حتى يتسابق الإعلام العربي في تغطية فصولها لتموت قبل أن تبدأ وينشغل بأشياء تغطي على أشياء أخرى فهذا مقياس الاهتمام لديه وما يريده رتم الحياة ننساق إليه وما تحتاجه الأمة فعلاً من الإعلام لا تلقاه أبداً وبالطبع تأتي أحداث مجزرة غزة التي نسيها الجميع بعد أن علقت إسرائيل عدوانها الإرهابي عنها رغم عدم كفها في الحقيقة عنه لمجرد أن إسرائيل أخذت استراحة وخصص لها العرب مليارات من الدولارات الضائعة للإعمار ولتضع غزة كما ضاعت المجازر التي سبقتها والفضل لإعلامنا الناسي المنسي بينما إسرائيل لاتزال في خطب رؤوس الشر لديها تذكر محارق اليهود التي حدثت منذ عقود والفضل أيضاً في ذلك لإعلامها القوي الذاكرة!.. لهذا اهدأي يا فتاة فهل تساوي فتاة فلسطين المغبونة بفتاة هوليوود المدللة؟.. في نظري؟.. لا تساويها فلا يصح أن يساوى الذهب الخالص بقشور فاكهة مثل الموز إن ظلت صفراء شهية فهي بعد ساعة تعافها القمامة من رائحتها المنفرة!. فاصلة أخيرة: المعذرة.. إعلامنا لا يعني إعلامنا بكل ما هو معلوم أصلاً!!.