12 سبتمبر 2025

تسجيل

حدود الانتقام بين طوفان الأقصى وحرب الشيطان

15 نوفمبر 2023

منذ شريعة حمورابي وربما ما قبلها وبعدها من شرائع، وقوانين وضعية، اتفق الجميع على مبدأ العين بالعين والسن بالسن، (مع قدر من الغموض والخلاف في الوعي المسيحي، اللاهوتي والتطبيقي، بهذا الشأن). لم يختلف أي مُشرِّع عبر التاريخ على أن هناك حدودا للانتقام، يجب عدم تجاوزها وإلا صار المظلوم ظالما والمغدور غادرا، والضحية معتديا. لذلك فإن ما يحدث من إبادة جماعية لسكان غزة يتجاوز كل حدود الانتقام وكل حدود المنطق وكل معاني الإنسانية. ولا يفسره إلا أن تلك المجموعة، التي تنفذ هذه المذبحة التاريخية، هي جماعة خارجة عن كل الحدود، وتنفذ مخططات شيطانية لا علاقة لها بالأديان ولا بالتاريخ ولا حتى السياسة، ناهيك عن أن الطرف المتجاوز لحدود الانتقام هنا هو نفسه الطرف المعتدي في الأصل. على مر القرون اعتبر فلاسفة الغرب، رغم عدم اعتدادنا بهم إلا للشهادة على أنفسهم، ومعهم علماء السياسة المهتمون بالاخلاق «الأخلاقيون» أن اللجوء إلى الانتقام يُلحق بصاحبه هزيمة ذاتية. وذهب الأخلاقيون أبعد من ذلك بالقول إن تخلي أمة ما عن الأخلاق يحكم عليها بالهلاك. وحتى في الأعمال الدرامية الكبرى التي تناولت هذه الفكرة، حاقت الهزيمة بالشخصية التي تسعى للانتقام أكثر مما حاقت بعدوها، اللهم إلا في أعمال هوليود المحدثة التي كانت تمهيدا أكيدا وشريكا كاملا في المجازر السابقة والحالية،،، والمرتقبة. نستشهد هنا بآراء بعض الأكاديميين والمحللين حول نزعة الانتقام لدى اليهود عامة وبالطبع لدى الصهاينة الذين يستغلون نصوص التوراة المحرفة أصلا لتنفيذ جرائمهم. يقول جويل بادن الخبير بالعهد القديم بكلية «ديفينيتي» بجامعة «ييل» الأمريكية إن نصوص التوراة تكرس في تشريعاتها الغريزة الثأرية. كان هذا رأيه في أسباب العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014 وسجله في مقال بموقع «سي ان ان». ويضيف أن تلك الغريزة الثأرية تتفاقم مع تعطيل نصوص في التوراة تدعو لإبطال مبدأ العين بالعين والتعويض عن الضرر ماديا. أما المؤرخ الإسرائيلي البريطاني آفي شلايم فيرفض هذا الانتقام مستنكرا ”منح الغرب إسرائيل تفويضًا بالإبادة الجماعية في غزة، ودعما وصل إلى إنكار تاريخ فلسطين والإنسانية الفلسطينية». وفي ملف خاص رأت صحيفة «لامانيت» الفرنسية أن نتنياهو جر الكيان إلى حرب انتقام من شعب بأكمله وأن استراتيجية الانتقام هذه لن تجلب الأمان للإسرائيليين. ونقلت عن هاري لوران المؤرخ المختص في شؤون الشرق الأوسط إنه لا يمكن للاحتلال أن يكون سلميا وديمقراطيا، مشيرا إلى فشل المشروع الصهيوني القائم على الانتقام. نعود للقول إنه من وسط الغموض والخلاف، الذي يكتنف اليهودية والمسيحية المحرفتين، والمختطفتين من قبل الصهيونية العالمية بشأن القصاص، خرج الشيطان علينا بكل جرائمه التي يرتكبها أعوانه الآن. فهم لم يقفوا عند العين بالعين ولم يلتزموا بمقولة المسيح «أدر له خدك الأيسر» ولكنهم فاقوا خطوط الشيطان وتجاوزوا كل حدود الدم وبالغوا في الانتقام ليس رغبة فيه فقط ولكن لتحقيق أهداف أخرى لا علاقة لها بالدين ولا بالحياة. فالكيان الذي لم يضع حدودا للانتقام لم يضع، أيضا، حدودا لأراضيه ولم يضع كذلك حدودا لأطماعه وإجرامه، وهنا تلتقي عدة نقاط. فعلى ذكر حدود الدم، فإن هذه المبالغة في رد الفعل الصهيوني لا يفسرها إلا أننا بصدد تنفيذ خطط أكبر وأبعد كثيرا، منها خطة المستشرق اليهودي الماسوني بيرنارد لويس، والتي فصّلَ صمويل هنتنجتون جزءا منها بكتابه «صراع الحضارات» عام 1996، بينما فصل جزءا آخر الجنرال الأمريكي رالف بيترز، بدراسة نشرها عام 2006 بمجلة الجيش الأمريكي بعنوان «حدود الدم»، وتحدث فيها عن إحداث تغييرات كبيرة في حدود دول الشرق الأوسط على أسس عرقية وطائفية، وقال إن تنفيذها سيتطلب حتما إراقة دماء مئات الآلاف. مع الأخذ في الاعتبار أن كل تغيير في الحدود فيما سبق كانت تسبقه حرب أو حروب. كما أن خطة لويس /هنتنجتون /بيترز تلك هي فقط جزء من مخطط صهيوماسوني أكبر للسيطرة على العالم بأسره يتم تمريرها كنبوءات توراتية مثلما يسمى كذبا «نبوءة سفر أشعياء»، حتى يظن الناس أن ما يجري يحدث بإرادة إلهية وأنه لا مفر من تحققه. والحقيقة أن كل هذه خرافات ومؤامرات كتبوها بأيديهم كما أخبرنا القرآن الكريم وكما أثبتت دراسات لاهوتية معتبرة، بعضها إسرائيلية، شككت في وجود نبي اسمه أشعياء من الأصل وأن ما تسمى بنبوءاته كتبها أحبار يهود. الموضوع إذن أكبر بكثير من مجرد حرب غزة، وإمعانهم في الانتقام بهذه الوحشية مبني على أفكار شيطانية مسبقة، خاصة وأن غزة الصغيرة هذه تقف وحدها حجر عثرة أمام أحلام الشياطين الكبار، وأنها بصمودها تفشل كل مؤامراتهم «العولمية» التي تعني لهم السيطرة على البشرية، التي يضعون أنفسهم فوقها جميعا باعتبارهم أن البشر كلهم حيوانات إلاّ هُم.