18 سبتمبر 2025

تسجيل

يُـــؤذن فـــي خـــرابـــة

15 نوفمبر 2020

يُعاند بعض الناس لمجرد العناد وتأخذهم " العزة بالإثم" فهم لا يرغبون في سماع وجهة نظر أخرى مخالفة لما يعتقدون، ولا يفسحون المجال للآخرين بالتعبير عن رأيهم، ولا يتقبلون النصح أو ابداء النقد الهادف، مثل هؤلاء الأشخاص ممكن أن تتيح أنت لهم فرصاً أخرى ثم تتكون لديك قناعة بأنه لا فائدة من جدالهم، وكأن حالك كمن يُؤذن في خرابة. موقف ترامب الأخير من نتائج الانتخابات يعتبر تناقضاً للديمقراطية الأمريكية المزعومة؛ فتقبل رغبات الجماهير التي انتخبت هو قمة في الرقي الفكري حتى وإن كانت على غير ما يرغب، إلا أن بعض الناس بودك أن تحشمه وتعطيه قدره وترتقي معه بالحوار والفكر والبعض الآخر، بودك أن تحشم نفسك عنه. ديننا الإسلامي يحثنا على النصح والحوار بالحسنى " وجادلهم بالتي هي أحسن" كي يخرج الجميع بفائدة كالتي ينادي بها علماء الإدارة والحداثة الأمريكيون (win-win) التي تؤكد أن كل الأطراف مشتركون في الموقف هم فائزون بطريقة ما، مهما كانت طبيعة هذا الموقف، ولكن ما يقوم به " ترامب" حاليا وكأنه يقول: يا سايب كثر من الخرايب. إن اللعب في الوقت الضائع يضع اللوم على مستشاريه الذين قد يظهرون صورته النهائية كمهرج لا يريد أن تقفل ستارة المسرح بالرغم أن المسرحية قد انتهت والجمهور غادر، وكأن هؤلاء المستشارين يؤذنون في خرابة أيضا. منذ سنوات - في سلطنة عمان - التقيت أحد حراس قلعة قديمة في ظفار، رجل ثمانيني عاصر الأحداث المختلفة التي مرت بها السلطنة، يتكلم عن تاريخ عريق مع وجود بعض الصدى في صوته يخرج من جدران تلك القلعة. هذا الأمر يأخذك إلى خيال واسع كيف أن المساكن عندما تُهجر تصبح خرابة من الصعب الأذان فيها لأنها خالية. عندما تيأس من شخص في إقناعه أو مجاراته أو حتى أن تحرص عليه، وهو مُصر على عناده، ستكون جهودك اللاحقة هي أذان في خرابة، وستصل بعد ذلك إلى مرحلة النفور والانسحاب ؛ كما حصل مع الشاعر ابن دريد الأزدي عندما قال: فاحذري عزفة نفسي عنك فالنفس عزوف. على عكس ما حدث معي شخصياً عندما قررت ألا أقدم اختبارات الثانوية العامة نكاية بأحد أفراد أسرتي الذي كنت على خلاف مراهقين معه. أذن صديقي في أذني قائلاً أنت طيب من الداخل وستذهب غداً لتقديم اختبار مادة الأحياء، وبالفعل فلم أكن " خرابة " ولله الحمد وحصلت على مجموع عالٍ خاصة في ذلك الاختبار هههههه. رسالة إلى الآباء الذين يتعنتون في تزويج بناتهم، رسالة إلى المسؤول الذي لا يطبق القانون ضمن الإدارة الإبداعية، رسالة إلى الدعاة الذين يستخدمون أسلوب الهجوم والتنفير، رسالة إلى التجار الذين يمارسون الجشع في تعاملهم مع الناس، رسالة إلى الطلاب المهملين الذين يريدون النجاح على حساب جهود الآخرين، رسالة إلى الجار الذي لا يَأمن جاره عواقبه، رسالة إلى الأم التي تهمل أبناءها كلية بحجة الاهتمام بنفسها، رسالة إلى الصديق الذي لا يظهر معاني الأخوة الحقيقية مع صديقه.. رسالة إلى كل هؤلاء ومن على شاكلتهم: أرجو مراجعة النفس قبل أن تصل الأمور إلى مستوى " الخرابة " عندها لا ينفع معكم الأذان. تحدث الكثير من العلماء عن عدة إستراتيجيات لعناد سلوك الطفل وتزمته، لكنهم أغفلوا "الــخــرابــة" التي تعشش في عقول بعض الناس لدرجة أن من حولهم ينفر منهم وينبذهم ولا يصلح معهم "طـــب". هناك دكتورة في جامعة هارفورد اسمها سوزان هتلر تذكر عشرة أسباب تجعلك تُؤذن في خرابة منها: الشخص الذي تحاوره غير مقتنع فيك تماما ؛ أي أنك لست الشخص المناسب للأذان. وقد يكون الشخص الذي تخاطبه نرجسيا لديه طباع الفوقية. أو قد يكون هو غاضب فلا يكون اختيارك مناسبا للوقت. أو أنهم يعكسون معاملتك لهم ؛ أي أنك لا تنصت إليهم. فضلا عن أسلوبك في الإقناع والحديث و(الأذان) هجوميا وعدائيا. ناهيك عن نمطك الخاص في التعامل الذي قد لا يتناغم مع نمطه ؛ كأن يكون صوتك منخفضاً أكثر من اللازم، أو أن تكون مغدقا في العاطفة والكلمات المنمقة التي لا تتناسب مع شخصيته. كما أن طبيعة الأشخاص لا يميلون إلى ان تملى عليهم تعليمات افعل ولا تفعل. إضافة الى ذلك فإن كلماتك المكررة واللزمات في الكلام كل ما سبق يجعل حديثك مع الشخص الآخر أذانا في خرابة. فانتبه همسة: " واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لن ينفعوك إلا بشي قد كتبه الله لك " – حديث شريف آخر الكلام: أحيانا لا تصدمنا الأخطاء بقدر ما يصدمنا من قاموا بها. دمتم بود. [email protected]