11 سبتمبر 2025
تسجيلكانت تونس الخضراء قد أسعدتنا مرتين، مرة حين انتفض شعبها الأبي ضد نظام زين العابدين بن علي، وزلزل الأرض تحت أقدام الدكتاتور حتى ضاع من فمه الكلام، فلم يجد ما يقوله للشعب الغاضب في لحظة انكساره الكبير، إلا أن يردد مكسورا: لقد فهمتكم الآن! ولكن (فهم) الدكتاتور جاء متأخرا جدا، ولم يجد إلا أن يبتدر الهروب المهين في لحظة فارقة عرّت النظام الباطش وكشفت قوته المزيفة. لقد ترجم مواطن تونسي بسيط تلك اللحظة الفارقة بالصوت والصورة بقوله: "لقد هرمنا ونحن ننتظر هذه اللحظة". فصارت كلماته تلك غنوة في الإعلام الإسفيري تحكي كيف تكسر الشعوب بصمودها بطش الدكتاتوريات الغاشمة. نعم، كادت الثورة أن تضل طريقها إلى الفوضى العارمة لولا قادة تونسيين أفذاذ أغلقوا أمام قوى الجمود والتخلف طريق الارتداد. ولم تفلح لا الاغتيالات السياسية ولا التخريب الأمني الممنهج في أن تهدد صمود الثورة الوليدة حين كبر الشعب التونسي الثائر على جراحه وضمدها بالصبر والعزم المجيد. لقد أثبت القادة التونسيون الجدد، من سياسيين وتشريعيين وتنفيذيين، أنهم كانوا في مستوى الأمانة التي أوكلها إليهم الصندوق الانتخابي. وأنهم كانوا جديرين بالاحترام الذي نالوه في جائزة نوبل للسلام، جاءتهم في مكانهم، تمشي الهوينا، وجاءهم التقدير من كل مكان، وكذلك جاءهم الرضا العام من شعبهم. ولكن ها هي الأنباء تشغل أذهان شعبهم العربي والتونسي على حد سواء. ما بال بعض سياسيي تونس يأتون من المواقف والأفعال ما يسرق الفرحة من قلوب وأفئدة شعبهم بالعودة إلى الشقاق والخلافات العابرة التي كم أضاعت وقت وأحلام شعبهم الذي ظل ينتظر لحظة الانطلاق من أسره الذي طال حتى هرم من انتظاره، كما قال قائلهم، مما تناقلته الوسائط الإعلامية في كل مكان. لقد قاد الشعب التونسي ثورات الربيع العربي، وقاد ثورة الإصلاح الدستوري بصمود قادته الأفذاذ على المبادئ الديمقراطية، وترفعوا عن الهموم الشخصية لصالح هموم الوطن الكبير. دعونا ننتظر أخبار الساعة الخامسة والعشرين تحمل لنا البشريات من تونس الخضراء، تحدثنا عن انقشاع سحابة تونس العابرة.