15 سبتمبر 2025

تسجيل

الحاجة لمجتمع مدني فاعل

15 نوفمبر 2015

لا شك أن المجتمع المدني يعكس إحدى الظواهر الحديثة في التحرك الفاعل تجاه قضايا المجتمع بصورة مستقلة وداعمة لدور الدولة في إحداث تفاعل بين احتياجات المجتمعات المعاصرة، وتبني قضايا تمس حياتهم المهنية والاقتصادية، والدفاع عن مصالحهم في شتى المجالات، بما فيها مجالات حقوق الإنسان والديمقراطية وغيرها من الأنشطة التي يضطلع بها المجتمع المدني في العصر الحديث.كما أن المجتمع المدني الفاعل البعيد عن الأغراض والأهداف غير الوطنية، يعد من المؤسسات المهمة في عالم اليوم، لأنها تساهم في الاضطلاع بمهام جيدة من خلال العمل الطوعي في القيام بوظائف اجتماعية ذات الأبعاد، لاسيما في الجانب الاقتصادي والاجتماعي، ويدفع بالعمل المؤسسي إلى آفاق متقدمة، إلى جانب تعزيز الوعي بأهمية العمل المدني، وبلورة مضامين تعددية، حتى أن البعض يرى، أنه لا يمكن أن نؤسس ديمقراطية فاعلة دون مجتمع مدني فاعل يدفع بهذه الآلية إلى أفضل خطواتها من خلال الاستمساك بالتوجهات والرؤى، كالشورى والديمقراطية وحقوق الإنسان، والدفع إلى تطبيقها ولو تدريجياً في المجتمع العربي. والواقع أن مفهوم المجتمع المدني مصطلح حديث مرتبط بالتحولات الفكرية والسياسية في الغرب كمخاض فكري تم حسمه مع الكنيسة، وبظهور ما يسمى بعصر الأنوار الذي أقصى الكنيسة عن سلطة القرار والتأثير في المجتمع الغربي.لكن هذا المفهوم ليس بعيداً عن المفهوم العربي الإسلامي كممارسة تحققت في العصور الإسلامية، وهو مفهوم (المجتمع الأهلي) الذي يقوم بأدوار اجتماعية بعيداً عن دور الدولة والسلطة في المجتمع العربي الإسلامي، إلا أنه كان يختلف عن مخاض المجتمع المدني الذي برز في الغرب نتيجة صراع واضطهاد لانتزاع الحقوق، ووقف القمع والاستبداد الكنسي في القرن السابع عشر، لكن هذا الصراع لم يوجد في الإسلام. وقد لعب المجتمع الأهلي في العصور الإسلامية في القيام بأدوار رائدة سواء في المجال الاجتماعي أو الفكري أو الاقتصادي والشواهد كثيرة، ليس مجال حديثنا في هذا المقال، ولذلك فإن المجتمع المدني ضرورة هامة من ضرورات عصرنا الراهن في تأدية دوره المنوط به في تفعيل مضامين الفكرة النيرة، والطرح الإيجابي في قضايا ومفاهيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، بما يضمن حيوية هذه المضامين، ويدفع إلى تحقيقها على أرض الواقع.وبهذا يمكن القول إن المجتمع المدني الذي يمثل نمطا من النشاط الاجتماعي والثقافي والفكري والسياسي مستقلا نوعا ما عن سلطة الدول، وتمثل هذه الفعاليات في مختلف مستوياتها وسائط تعبير متعددة بالنسبة إلى المجتمع وقضاياه المختلفة، بما يعزز التوجه العام في قيام هذه الجمعيات أو النقابات بدور مساند للدولة وداعم لهموم المجتمع وقضاياه الوطنية.. فهو إذن مجمل البنى والنشاطات والفعاليات ـ كما يشير د/ أحمد شكر الصبيحي ـ «التي تمثل مرتكز الحياة الرمزية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي لا تخضع مباشرة لهيمنة السلطة. وفي دول مجلس التعاون فإن المجتمع المدني لا يزال في بداية تأسيسه في العديد من هذه الدول». والمجتمع المدني في دول مجلس التعاون لا يزال محدوداً في نشاطاته وفي تأثيراته نظراً لحداثة نشأته، لكنه بدأ يتحرك وفق ما تسمح به النظم والتشريعات القائمة في هذه الدول، وهذا بلا شك سوف يخلق وعياً قانونياً وفكريا على المدى القريب.يرى د/ سيف الدين عبد الفتاح: أن مفهوم المجتمع المدني باعتباره المفهوم المحوري، يفرض ضرورة البحث في محتواه وطبيعته، كما يلزم الإشارة إلى ما صدقياته وتطبيقاته، خاصة إذا ما أريد ربطـــــه، على نحو أو آخر بالمجال المعرفي الإسلامي. نحن إذن في حاجة ماسة إلى مجتمع مدني فاعل، يسهم في الحراك المجتمعي، والفكري والثقافي، بما يعين الدولة في بسط القضايا والمشكلات من خلال الحوار والنقاش، والنقد البنَّاء الذي يهدف إلى المصلحة العامة في المقام الأول.