16 سبتمبر 2025
تسجيلفي إطار الاستعدادات العراقية الحكومية لإدارة معركة (تحرير الموصل) من قبضة تنظيم الدولة، مارست الدبلوماسية العراقية جهودا وتحركات ملفتة للنظر، نحو تركيا عبر التركيز على ملف (معسكر بعشيقة) التدريبي التركي، والذي أقيم باتفاق تام مع حكومة إقليم كردستان وبعد موافقة وزارة الدفاع العراقية.. وهو ما يعني أن ذلك المعسكر الذي يضم قرابة 650 عسكريا تركيا والمخصص أصلا لتدريب قوات البيشمركة الكردية لا يشكل أي خطر على خطة تحرير الموصل المفترضة، فالهدف يتجاوز بكثير خلاف حول موقع عسكري! والحديث عن تغلغل واحتلال عسكري تركي لمواقع عراقية فيه من المبالغة الشيء الكثير! لقد ركزت الحكومة العراقية في شكاويها التي وصلت للأمم المتحدة عن ما أسموه باحتلال تركي للأراضي العراقية؟، وهو الموضوع والملف الذي ركز عليه وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري وسانده البرلمان العراقي الذي طالب أعضاؤه الأتراك بسحب قواتهم فورا من الأراضي العراقية!، ثم أتبع ذلك نبرات هجومية حادة من رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي الذي هاجم شخص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مما دفع الأخير لتوبيخ علني ورسمي ومثير لحيدر العبادي بعد أن طلب منه التزام حدوده! مما أشعل حربا إعلامية صاخبة من الجانب العراقي والذي لجأت فيه قيادات الحشد الطائفي المدعومة إيرانيا برفع مستوى التهديد الموجه للقوات التركية متوعدين برد مزلزل في الميدان!.. وطبعا التراشقات الكلامية ودخول إعلام الحشد الطائفي وأصوات الأحزاب الإيرانية في العراق يعبر عن تدهور واضح في العلاقات وبشكل غير مسبوق، ولم يحدث ما يماثله منذ انفصال العراق عن الدولة العثمانية بعد الاحتلال البريطاني لبغداد عام 1917 ومن ثم قيام النظام الملكي الهاشمي في العراق عام 1921 وحيث كانت العلاقات تتسم بالهدوء بين الطرفين منذ أن تمت تسوية قضية المطالبة التركية بولاية الموصل في عصبة الأمم عام 1925، والتي حسمت عائدية الموصل للعراق الجديد وقتذاك!، بعدها جرت مياه ودماء عديدة تحت كل الجسور وأضحى العراق حليفا قويا لتركيا والغرب ضمن إطار حلف بغداد الذي أنهاه الانقلاب العسكري العراقي في 14 يوليو 1958. ولعل أهم أسباب التوتر المتصاعد في العلاقات بين الطرفين هو الاستعدادات الدولية والإقليمية والعراقية لمعركة (تحرير الموصل)! من قبضة تنظيم الدولة، ففي ضوء نتائج المعارك العراقية السابقة في المدن والقصبات الغربية في العراق فإن حملات التطهير والإقصاء وحتى التدمير الطائفية كانت واضحة وجلية ومأساوية في دلالاتها، كما جرى في ديالى وتكريت والأنبار والفلوجة والحويجة، وجماعات الحشد الطائفي التي هي الواجهة الفعلية للحرس الثوري الإيراني، أضحت تهدد علنا أهالي الموصل بمصير مشابه لما جرى في المدن الأخرى التي سبقتها، فها هو الإرهابي قيس الخزعلي زعيم عصابة العصائب الطائفية يصرح علنا وبلغة طائفية رثة وعدوانية وسقيمة بأن الانتقام قادم من أهل الموصل لكونهم (أحفاد من قتل الإمام الحسين رض)! وتلك لغة تحريض طائفية قذرة تدخل ضمن إطار الإرهاب العلني والذي تنطبق عليه المادة 4 إرهاب! ولكنه محمي ومحصن لكون قوته تأتي من حماية النظام الإيراني له ولأمثاله من الأشقياء العاملين ضمن إطار المشروع الطائفي الإرهابي التقسيمي التخريبي، وللموصل في الإستراتيجية التركية أهمية خاصة واستثنائية تدخل ضمن إطار الأمن القومي التركي باعتبارها من الملفات الصاعقة وغير المسموح العبث بها! وهو ما يتصادم مع مخططات وأجندات أهل المشروع الطائفي في العراق الذين يقودون العراق نحو الكارثة ونحو سيناريوهات تقسيم خطرة للغاية، الإستراتيجية التركية تهدف أساسا لمنع انهيار الأوضاع في الموصل، ولمنع كوارث ونتائج حملات تطهير طائفية قادمة ستحرق الأخضر واليابس في الشرق إن لم يتم التصدي لها ومنع نيرانها وتداعياتها الرهيبة.. ولعل التطور الأخطر في مسيرة العلاقات المتوترة قد جاء مع دعوات النائبة عن حزب الدعوة الإيراني (عواطف نعمة) لفتح مكاتب لعصابة حزب العمال الكردي الإرهابي في بغداد والمدن العراقية الأخرى برعاية الحكومة العراقية!! وذلك تيار صاعق لكونه لا يمس الرئيس التركي أردوغان فقط بل يتعلق بالشعب والجيش التركي وبما ينقل المواجهة لآفاق من المستحيل السيطرة عليها لكونها اختراقا صميميا للأمن القومي التركي؟ وبين تصريحات القادة العراقيين المتشنجة، وعجزهم عن الفعل الصريح تبدو الحرب الباردة بين تركيا والعراق، قد باتت تتجه لخطوات تسخينية، سنرى تفاعلاتها المباشرة في معركة الموصل القريبة القادمة.. المنطقة مقبلة على أهوال ونسأل الله السلامة.