17 سبتمبر 2025

تسجيل

المجتمع المدني التونسي ينال جائزة نوبل للسلام!

15 أكتوبر 2015

نبدأ الحديث بتقدير الجهات الرسمية وغيرها التي تواثقت على ترشيح أربعة من منظمات المجتمع المدني التونسية لنيل جائزة نوبل للسلام لهذا العام وعلى رأسهم الرئيس التونسي قائد السبسي والشيخ راشد الغنوشي في مأثرة وسابقة نادرة، وهو ترشيح صادف أهله، وفوز مستحق. ونقول إن تقادم الزمن الكسول وهو يمضي رتيبا لم يستطع ولن يستطيع في المستقبل أن يطفئ من ذاكرة الشعب التونسي الجمعية حكاية الفتى محمد البوعزيزي الحزينة الذي قرر في لحظة يأس مؤلمة مغادرة الحياة وفقرها وظلمها وعنتها مرة واحدة وإلى الأبد، عندما غلبه أن يصبر على ذلك الظلم والفقر الممتد بلا نهاية في شكل أنظمة إدارية بلهاء. وعقول سلطوية صماء جامدة وأعين فاقدة للبصر والبصيرة، ووجدان يحس إذا كان الجماد يحس.صورة الاحتجاج الذي أقدم عليه محمد البوعزيزي كانت صورة مرعبة وقاسية، بإقدامه على حرق نفسه بالنار احتجاجا على جمود سلطة إدارية ساهية عن دنيا (الناس اللي تحت). وكان بديهيا أن ينتفض الشعب التونسي ضد نظام زين العابدين بن علي، ويزلزل الأرض تحت أقدام الدكتاتور الذي لم يجد ما يقوله للشعب الغاضب في لحظة انكساره الكبير أنه قد (فهمهم الآن)، لقد وضح جليا للذين كانوا يراقبون الأحداث المتفجرة أن (فهم) الدكتاتور لما كان يجري أمام عينيه كان متأخرا جدا، وكان ناقصا جدا، وكان محدودا جدا، ولم يكن كافيا لإنقاذ النظام القمعي الذي أداره بعقلية أمنية قاصرة وجامدة. بقية القصة معروفة ومدونة في وجدان الشعب التونسي وفي الأسافير المحلية والعالمية. كانت لحظة هروب الدكتاتور على عجل وترك مقعده خاليا، كانت لحظة درامية فارقة عكست القوة الكاذبة الخادعة وغير الحقيقية التي كان يتخفى خلفها النظام الباطش. لقد ترجم مواطن تونسي بسيط بجملة بسيطة كذلك، ليتناقلها الإعلام العالمي بالصوت والصورة ويجعلها باقية في قلب الأسافير المقروءة والمسموعة والمرئية: لقد هرمنا ونحن ننتظر هذه اللحظة. نعم تتابعت الأحداث بتلقائية، وعدم تخطيط مسبق كما يحدث في كل الثورات الفجائية التي يستولدها الغضب الفوري الجامح. ومؤلما أن يسقط شهداء وضحايا ومظاليم في لحظة انتصار الثورة وانكسار الدكتاتور وهروبه، وكادت الثورة أن تضل طريقها إلى الفوضى العارمة لولا قادة تونسيين أفذاذ فوتوا على قوى الجمود والتخلف فرصة اهتبال الفراغ الدستوري الناشئ عن هروب الدكتاتور وتهاوي نظامه بسرعة أذهلت أكثر المتوجسين من قدرته على الصمود الآثم. ولكن لم تفلح لا الاغتيالات السياسية ولا التخريب الأمني المخطط في أن يهدد بقاء وصمود ونجاح الثورة الوليدة أو أن يعيد الأمل المعطوب إلى قوى الظلام من جديد. فقد كبر الشعب التونسي الثائر على جراحه وضمدها بالصبر والعزائم المجيدة، وأخرج من براثن العدم ممارسات ديمقراطية مجيدة صارت محل تقدير المحيط المحلي والإقليمي والدولي وهو الشعب الذي عاش كل عمره السياسي تحت نظامين أحاديين منغلقين بتجربة ديمقراطية صفرية. لقد أثبت القادة التونسيون الجدد، من سياسيين وتشريعيين وتنفيذيين، لقد أثبتوا أنهم كانوا في مستوى الأمانة التي أوكلها إليهم الصندوق الانتخابي. وأثبتوا للعالم أنهم جديرون بتلك الأمانة، وجديرون بالاحترام الذي نالوه، جائزة نوبل للسلام جاءتهم في مكانهم، تمشي الهوينا، وجاءهم التقدير المحلي والإقليمي والدولي، وكذلك جاءهم الرضا العام. القومة والتهنئة والتقدير لمجتمع تونس المدني ولقادته الأفذاذ الذين ما فتئوا يعطوننا الأمل من وسط ركام الربيع العربي، ذلك الحمل الكاذب.