01 نوفمبر 2025

تسجيل

آخر أيام التشريق

15 سبتمبر 2016

إن من توفيق الله عزوجل ورضاه عن العبد أن ييسر له أن يتقدم بخطى التقى والتوبة ليذهب إلى بيت الله الحرام يطوف ويسعى ويقف بعرفات تذرف عيناه دمع الرجوع إلى الله والشوق إلى روضة الحبيب صلى الله عليه وسلم، ففي هذه الأيام المباركة وحجاج بيت الله الحرام في نهاية أيام التشريق والمبيت بمنى يدركون أن هذا موسم التوبة وغفران الذنوب، فإن العبد المسلم الذي يحس بلذة العبودية لله لا يذوق طعما لحياة إلا بالعبادة الحقيقية لله تعالى، فلا معنى لوجوده بدونها ولا اطمئنان إلى رضوان الله إلا بالعمل المتواصل الدؤوب القائم على الإخلاص لله تعالى بنية صادقة وبعزيمة قوية يبتغى رضا الله تعالى ويخشى عذابه، فالحق سبحانه وتعالى جعل للعشر من ذي الحجة مكانة عظيمة، وفي هذه الأيام الكريمة أيام التشريق جعلها الله أيام بركة ووحدة ورخاء على الأمة، فاختيار بعض الأيام والشهور وتفضيلها على بعض لحكمة يعلمها الخالق، فقد اختار الله من بين الشهور أربعة حرما قال تعالى:( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم) التوبة: 36. فلا شك أن المسلم مطالب بالمداومة على الطاعات والاستمرار في الحرص على تزكية النفس ومن أجل هذه التزكية شرعت العبادات والطاعات، وبقدر نصيب العبد من الطاعات تكون تزكيته لنفسه، وبقدر تفريطه يكون بعده، لذا كان أهل الطاعات أرق قلوبا وأكثر صلاحا، وأهل المعاصي أغلظ قلوبا وأشد فسادا، فلقد اختار الله من الأزمان ما يكون وسيلة للإكثار من للطاعات فاصطفى فيها أياما وليالي وساعات فضلا منه وإحسانا يمسحون فيها عن جبينهم هموم الحياة ويستقبلها المسلمون ولها في نفوس الصالحين منهم بهجة وفي قلوب المتقين فرحة، فرب ساعة قبول فيها أدركت عبدا فبلغ بها درجات الرضا والرضوان، ولتصحيح اتجاهات القلب وضمان تجرده من الأهواء الصغيرة والحرص على ابتغاء الأجر من الله تعالى وأن يقبل الله تعالى عمله ويجازيه به يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فالمسلم يعتقد اعتقادا جازما بأنه ما وجد في هذه الحياة إلا لعبادة ربه يقول الله تعالى:(وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب) البقرة:174،عندئذ يفرح المسلم إذا أحسن استثمار مواسم الطاعة التي ينعم الله تعالى بها علينا ويرشدنا لاستغلالها، فيجتهد الجميع لنيل الدرجات والحصول على الثواب والتنافس في الخيرات التي منها الحرص على الأعمال الصالحة مثل الرجاء وكثرة الدعاء، فيخلص المؤمن لربه ويبتغي بعبادته وجه الله تعالى، فأعظم صور الإخلاص لله تعالى هي الإخلاص في الإيمان بوحدانيته وأنه لا إله إلا هو قناعة ويقينا، إخلاصا يسبق كل عبادة وتشعر في نفسك بصدق وانفعال أنك تصلي لله تسجد له وحده سجود الموقن بتفرده، تدعوه دعاء المؤمن الذي يغمره شعور وفكر قويان بأنه يدعو الله السميع القريب المجيب، فإن صلاح النية وإخلاص القلب لرب السماوات والأرض يرتفعان بمنزلة العمل الدنيوي البحت فيجعلانه عبادة متقبلة، وإن خبث الطوية وفساد النية، تهبط بالطاعات المحضة وتكون المعاصي الشائنة فلا ينال المرء منها بعد التعب في أدائها إلا الفشل والخسارة، بل إن الملذات التي تشتهيها النفس، إذا ما صاحبتها النية الصالحة والهدف النبيل تحولت إلى قربات، والحق أن المرء ما دام قد أسلم لله وجهه وأخلص النية، فإن حركاته وسكناته ونومه ويقظته تحتسب خطوات إلى مرضاة الله كما تتمثل في شعوره بالعبودية لله الواحد القهار ويستقر ذلك في ضمير الإنسان ويكون منطلقه في أعماله كلها بحيث يبتغي بها وجه الله، فينبغي مراعاة حرمة هذه الأيام المباركة لما خصها الله به من المنزلة والحذر من الوقوع في المعاصي والآثام تقديرا لما لها من حرمة، ولأن المعاصي تعظم بسبب شرف الزمان الذي حرمه الله، ثم إذا انقضى هذا الموسم عاد الإنسان إلى المعاصي بل إن موسم الطاعات يستمر مع العبد في حياته كلها ولا ينقضي حتى يدخل العبد قبره، لذلك ينبغي على المسلم العيش بين الخوف والرجاء، يخاف الخالق فيبتعد عن المعصية ويرجو رحمة ربه فيكثر من الطاعة، فإن الخوف من الله لا يكفي إذ لابد من نظيره وهو الرجاء، لأن الخوف بلا رجاء يسبب القنوط واليأس، والرجاء بلا خوف يسبب الأمن من مكر الله، وكلها أمور مذمومة تقدح في عقيدة الإنسان وعبادته ورجاء قبول العمل مع الخوف من عدم قبوله يورث الإنسان تواضعا وخوفا وخشوعا لله تعالى، فالعمل الصالح شجرة طيبة تحتاج إلى سقاية ورعاية واهتمام.