14 سبتمبر 2025
تسجيلهل ثمة ما يمكن للمرء أن يضيفه على صعيد الملاحم التي تكتب وتبث في الوقت الراهن على صعيد محاربة الإرهاب والتطرف والتشدد في وطننا العربي وعالمنا الإسلامي ؟ إنني أطالع بحكم المهنة والرغبة في المعرفة ,معظم الصحف العربية المهمة وأتابع المحطات الفضائية التى تتمتع بسمعة إعلامية ومهنية , فضلا عن محطات الراديو الشهيرة خاصة في شقها الإخباري, ولكنى لم أعثر على نقطة البدء الضرورية فى المساعي الرامية لمحاربة هذه الآفة على حد التعبير الرسمي العربي – الإرهاب ,وملحقاتها وتوابعها من "داعش "وإخواتها والتي تطرق إليها الدكتور محمد الرميحي المفكر العربي الكويتي في مقاله أمس الأول بصحيفة الشرق الأوسط , والمتمثلة في محاور التعليم والإعلام والعمل, وأضيف إليها محور الدين أو الوسائط الدينية التي نتعامل من خلالها في المنطقة, والتي أسهمت في تقديري فى تقديم مفاهيم مغلوطة عن الإسلام والشريعة وأحكامها وكيفية التعاطي مع أنماط الحياة بتجلياتها المختلفة ,الأمر الذي أدخل تصورات خاطئة لدى الأذهان عن الجهاد والتعامل مع الحاكم والنخبة الحاكمة والآخر سواء كان مقيما معنا من أقليات دينية أو طائفية أو إثنية أو في العالم من حضارات وثقافات أخرى . وثمة محور مهم يتمثل فى منحه الأهمية يتمثل في البعد الفكري والقانوني والثقافي , وهو ما تطرق إليه الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية وهو يشرح للصحفيين مضمون القرار الذي أصدره وزراء الخارجية العرب فى ختام دورتهم ال142 بالقاهرة تحت عنوان حماية الأمن القومي العربي والتصدي للتنظيمات المتطرفة ومن بينها ما يسمى بتنظيم "داعش". إن المواجهة العسكرية والأمنية المتمثلة في إطلاق تحالف دولي لمحاربة الإرهاب والتطرف وداعش بالذات ,أمر لا بأس به خاصة أن الدول العربية غير قادرة بوضعيتها الراهنة على بناء شكل من أشكال التحالف العسكري الذي يكون بمقدوره التعامل مع التحديات المختلفة, وفي مقدمتها تحدى نشوء تنظيمات متطرفة باتت تعمل في العلن وتسيطر على مساحات جغرافية تزيد عن مساحة بريطانيا تمتد من حلب في سوريا إلى الأنبار في العراق , وتلك معضلة في حد ذاتها في حاجة إلى مراجعة والنظر جديا تجاوزها, بيد أن الأمر يتطلب الخروج من حالة الترهل التي تسود النظام الإقليمي العربي في المرحلة الراهنة فى ضوء سلسلة الاضطرابات غير المسبوقة والانقسامات الحادة داخل أقطاره وحالة الانشغال بالمعارك الداخلية المسيطرة على معظم الجيوش العربية ,وبل تفكك بعض أهم هذه الجيوش مثلما حدث في العراق وسوريا وليبيا, وإن كان الجيش المصري قد نجا بحول الله تعالى من حالة استهداف ممنهجة بفعل تماسك قيادته والدعم الشعبي الذي يحظى به في مواجهة حالات الاستهداف سواء من الداخل أو من الخارج . ومن البديهي ألا تكون مواجهة الإرهاب والتطرف والتشدد الذي تفاقمت حدته في المنطقة سريعة المردود, ولكن يمكن الحصول على نتائج مطمئنة إذا ما سارعت النخب الحاكمة بجدية باتجاه إحداث تغييرات جوهرية وحقيقية في بنية النظم السياسية وإنهاء حالة الاستبداد التي ما زالت سائدة على الرغم من اندلاع ثورات الربيع العربي, وقادت في بعض الأحيان إلى نوع من انسداد الأفق مما أدى إلى تراجع شعبي في مساندة هذه الثورات خاصة أنها لم تفض إلى خلاصات تنقذ المواطن العادي من معضلاته الحياتية اليومية, التي تكالبت عليه وبشكل خاص على صعيد ارتفاع أسعار المنتجات والسلع بكل أنواعها , والمضي قدما في تطبيق برامج حقيقية وفعالة وعاجلة للعدالة الاجتماعية ,فما طرح منها حتى اللحظة لا يتجاوز الشعارات والبيانات والتصورات ,بينما الواقع يشهد عكس ما يعلن ,فالمناطق المهشمة ما زالت تكابد مشكلاتها الحادة والتي أسهمت بشكل أو بآخر, في تزويد التطرف والإرهاب والتشدد بوقوده البشرى في محاولة للانتقام من النظم غير العادلة . هذا على المدى القصير, أما على المدى المتوسط والطويل فإن الأمر يستوجب سلسلة من الخطوات التي أتمنى على الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية بحكم ما يمتلكه من خبرة سياسية وقانونية وفكرية, أن يضعها في الاعتبار وهو يعد لتفعيل القرار الخاصة بحماية الأمن القومي العربي وأوجزها فيما يلي: أولا: إعلان المقاطعة الكاملة مع النظام التعليمي السائد فى المنطقة العربية بشقه المدني و الديني ,فكلاهما عبر المناهج الشديدة التخلف والتي تنحاز إلى الماضي وتخاصم الحداثة والوسطية ,فضلا عن الاعتماد على كتب قديمة خاصة فى بعض الجامعات الإسلامية تطرح مفاهيم تتناقض بالأساس مع جوهر الدين الذي يهدف إلى بناء الإنسان المسلم المتسامح القادر على التفاعل مع الآخر المستوعب لثقافة الاختلاف والذي لا يرمى غيره بالكفر إذا ما أبدى رؤية معارضة لسياقه الديني أو حتى السياسي ,مثلما شهدنا وما زلنا نشهده حتى اللحظة الراهنة ,. وهو ما يستوجب المسارعة بإعداد إستراتيجية عربية لما بات يطلق عليه بتغيير الخطاب الديني والذي أضحى بالفعل مستغرقا فى ماضويته وتهافته على الهوامش والفرعيات وتجنب التفاعل مع مفردات الواقع , فالمرء يستمع في خطب الجمعة وفى معظم البرامج الدينية في القنوات التلفزيونية إلى قضايا ومحاور وموضوعات غير صالحة بالمرة لزماننا ,بل تجاوزها العلماء المجددون على مدى تاريخ الإسلام , وهو ما يجعلني أطالب الدكتور نبيل العربي بتخصيص مؤتمر لهذه القضية خاصة أن الأمة زاخرة بعلماء ومفكرين إسلاميين قادرين على القيام بعبء هذه الإستراتيجية المطلوبة بإلحاح فضلا عن الإشراف على تطبيقها ولكن لم تمنح لهم الفرصة طوال العقود الأربعة المنصرمة , والتي صعد فيها الخطاب التكفيرى والسطحى والهامشي والذي لا يبني وطنا أو يصوغ مسار أمة. ثانيا : البدء في الدعوة لمؤتمر يضم رموز الفكر والثقافة والإعلام الذين يتسمون بالاستنارة والرؤية القومية المدافعة عن مصالح الأمة, لتحديد المفاهيم التي ما زالت غير واضحة تجاه الإرهاب والتطرف والتشدد ثم تحديد الخطوات التي يتعين أن تبدأها على الفور أجهزة الإعلام والثقافة المؤثرة , فضلا عن النخب الفكرية من خلال إستراتيجية واضحة القسمات وقريبة في لغتها ومضمونها من أذهان البسطاء ,لتفتح أمامهم آفاقا مغايرة وتقربهم من جوهر الدين وتغرس فيهم منظومة التسامح وعدم الكراهية للآخر أو المختلف معه ,وتوضح أن الأوطان لا تبنى إلا وفق قاعدة المواطنة والمساواة بين كل المواطنين , وأنه لا سيادة إلا للقانون ولا مجال لاحتكار سلطة من هذا الفريق أو ذاك والتي يجب أن يطالها الفائز في صناديق الاقتراع وفق محددات الشفافية والنزاهة والمراقبة الشعبية, بمنأى عن تدخل السلطات التنفيذية ,أو ما يسمى بأجهزة الدولة العميقة التي نجحت في إجهاض قيم وطروحات ثورات الربيع العربي, إما لصالح قوى عتيدة لم تكن راغبة فى التغيير بالأساس, أو لصالح تنظيمات متطرفة قفزت على المشهد الوطني, وتسعى إلى فرض هيمنتها وتمددها بقوة الأمر الواقع أو بغطرسة الشعور بامتلاكها أدوات وعتاد عسكري أتيح لها من مخازن الجيوش العربية التى أسقطت أو أهدرت قواها. ثالثا : بناء منظومة قيمية قانونية بالأساس تقوم على مبدأ العدل, وهو مبدأ غائب في أغلب الدول العربية فالإحكام تصدر اتساقا مع رغبات السلطة الحاكمة أيا كانت, وفى ذلك إهدار واضح وبين لهذا المبدأ وتطبيق المساواة عند تنفيذ القوانين بين كافة المواطنين على الرغم من اختلاف هوياتهم الدينية أو العرقية , ولاشك أن ذلك يتطلب إعادة النظر في مجمل المنظومة التشريعية القائمة وبعضها ما زال يعود الى زمن الخلافة العثمانية ,فبدت مترهلة وموغلة فى قدمها وعجزها عن مواكبة الزمن الراهن بمتغيراته السياسية والاجتماعية والاقتصادية , فضلا عن القضاء على ما يسمى بالبطيء في إجراءات التقاضي والتي قد تمتد فترات زمنية طويلة للغاية, مما يفقد الحكم العادل بهاءه عندما يجيء متأخرا عشرات السنوات ويكون بعض أطراف القضايا قد ذهبوا إلى رحمة الله سبحانه وتعالى . *صحفي عربي من مصر