16 سبتمبر 2025
تسجيلمع أن الأزمة السورية طغت على أجواء اجتماعات مجموعة العشرين التي عقدت الأسبوع الماضي بعاصمة القياصرة "سانت بترسبيرغ" الروسية، إلا أن البنود الأساسية لجدول أعمال الاجتماعات تمحورت حول العديد من القضايا الاقتصادية المهمة التي لم تنل نصيبها من التغطية الإعلامية، وذلك رغم أهمية القرارات التي اتخذت بشأنها ليس لبلدان المجموعة فحسب، وإنما للاقتصاد العالمي ككل. وعلى النقيض من اتساع حدة الخلافات حول الأزمة السورية، فقد كان هناك توافق تام حول القضايا الاقتصادية المطروحة والتي لا بد من التنبيه إليها للاستفادة من نتائجها والتنسيق مع مجموعة العشرين بشأن تجنب تداعياتها السلبية. وتقف مسألة التهرب الضريبي على رأس القضايا التي تم بحثها في القمة، فالشركات متعددة الجنسيات تستولي على مليارات الدولارات سنويا من خلال التهرب الضريبي، مما يكلف بلدان العالم موارد مهمة يمكن أن تستغل لخفض العجز وتحسين مستوى الخدمات والتخفيف من ترسبات الأزمة وتسريع النمو وخلق المزيد من الوظائف، حيث تمكنت العديد من البلدان المتقدمة والناشئة في العامين الماضيين من استرجاع مبالغ كبيرة من خلال رصد حركة رؤوس الأموال ومحاصرة المتهربين والهاربين إلى "الجنات" الضريبية. من هذا المنطلق تم التطرق للمرة الأولى لشركات "التراستس" أو ما يسمى بصناديق الثقة التي تشكل مخارج قانونية تستخدمها الشركات متعددة الجنسيات للتهرب من الضرائب وتراكم الثروات، في الوقت الذي أسهمت فيه هذه الشركات من خلال تواجدها في ازدهار العديد من البلدان المتعاونة معها. ونظرا للتأثيرات الكبيرة التي يمكن أن تترتب على المشاكل المالية في البلدان الناشئة، وبالأخص الصين والهند وتركيا وروسيا، فإن الولايات المتحدة أبدت تعاونا كبيرا أثناء القمة للتخفيف من إجراءات بنك الاحتياطي الفيدرالي ووعدت بالتدرج في إنهاء التسيير الكمي لوقف الخلل في تدفقات الرساميل العالمية والذي اضر بالبلدان الناشئة وأسهم في تراجع عملاتها بصورة كبيرة. وعلى اعتبار أن المواد الأولية، وبالأخص النفط أصبحت محددا رئيسا للنمو في البلدان الناشئة التي تعاني من مصاعب مالية ونقدية، فقد أدرج هذا البند على جدول أعمال القمة ووجد تفهما كبيرا من قبل البلدان المنتجة للنفط والممثلة في القمة بالسعودية التي رفعت إنتاجها إلى 10.3 مليون برميل يوميا لتلبية الطلب والحد من ارتفاع الأسعار، خصوصا وان بعض هذه البلدان، كتركيا نوه إلى أن الأسعار الحالية للنفط تؤثر بصورة سلبية على النمو ولا بد أن تنخفض بمقدار عشرة دولارات ليتراوح سعر البرميل ما بين 100 – 105 دولار. وبما أن موضوع النمو والوظائف جاء على رأس الاهتمامات، فقد اتفقت بلدان المجموعة على ضرورة مرونة أسعار المواد الأولية لدعم النمو وتوفير المزيد من فرص العمل، إذ رغم تحسن الأوضاع في البلدان المتقدمة، بما فيها منطقة اليورو، إلا أن الانتعاش ما زال ضعيفا بسبب أزمة البلدان الناشئة والتي تعتمد في نموها على وارداتها من مصادر الطاقة. لذلك، فإن التنافر الكبير في المجالات السياسية والذي ركز عليه الإعلام، قابله انسجام تام في القضايا الاقتصادية التي بقيت بعيدة عن وسائل الإعلام، وذلك رغم أهميتها للاقتصاد العالمي على اعتبار أنها تطال حياة كافة الناس، كما أشارت إلى ذلك بصورة صحيحة المستشارة الألمانية انجيلا ميركل. والصحيح أن يتم التركيز إعلاميا في الدورات القادمة على كافة القضايا، وبالأخص الاقتصادية والتعاون الدولي ليعكس الغرض الحقيقي لمجموعة العشرين والتي تأسست لتكون بمثابة منتدى للتعاون والمساهمة في حل قضايا العالم الاقتصادية والمالية، تلك القضايا التي تزداد تعقيدا، بسبب ضعف دور الحكومات وهيمنة الشركات متعددة الجنسيات وارتباط ذلك بمحددات التنمية المستدامة الخاصة بالمحافظة على البيئة والموارد والتقليل من التلوث، تلك المسائل التي تهم وتؤثر في كافة المجتمعات بغض النظر عن تفاوت مواقفها السياسية وأنظمتها الاقتصادية.