01 نوفمبر 2025

تسجيل

سيناء مقبرة الغزاة

15 سبتمبر 2013

كانت سيناء على مر التاريخ هي خط الدفاع الأول عن حضارة وادي النيل التي عرفت فيما بعد باسم مصر. فمنذ فجر التاريخ كانت الجيوش الغازية تتقابل هناك مع الجيش المصري الذي يخرج من منطقة الحضارة إلى ذلك المكان الصحراوي الذي يصلح مكانا للمعركة مع الجيش الغازي. حدث ذلك في مواجهة غزو الهكسوس في العهد الفرعوني، وفي مواجهة الغزو الصليبي والتتري في العهد المملوكي. ثم حدث أخيرا في العهد الحديث في مواجهة الغزو الإسرائيلي. في كل تلك المواجهات التي خاضها الجيش المصري، كان أهل سيناء هم العون الأكبر له في مواجهة الغزاة عبر تقديم المساعدات اللوجيستية والتي من أهمها تقديم المعلومات حول الجيوش الغازية. لكن رغم هذه الأهمية التي تكتسبها سيناء وأهلها في مجال الأمن القومي المصري، إلا أنها لم تحصل على حقوقها في التنمية وثروات الوطن كباقي أجزائه، بل تم إهمالها بشكل يكاد يكون متعمد، حيث لم تقم بها أي مشروعات تنموية رغم الثروات الطبيعية الهائلة الموجودة فيها والتي من أهمها الأراضي الزراعية الواسعة وكذلك البترول والغاز الطبيعي، فضلا عن المعادن الأخرى. وزاد هذا الإهمال المتعمد في سيناء بعد توقيع مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل التي تم تسخير بنودها من أجل حماية الأمن القومي الإسرائيلي، وفي مقدمة ذلك منع قيام أي تنمية حقيقية في سيناء وعدم تحويلها إلى مجتمع عمراني يمكن أن يمثل تهديدا حقيقيا للوجود الإسرائيلي في فلسطين. وبعد قيام ثورة يناير وانتخاب رئيس مدني لأول مرة في تاريخ مصر، جرت محاولات متعددة لإعادة النظر في السياسة المتبعة مع سيناء، حيث اهتم الرئيس مرسي بإجراء مصالحة تاريخية بين أهالي سيناء والدولة المصرية تقوم على أساس إعطائهم حقوقهم المسلوبة، مثل حق تملك الأراضي والمنازل وحق تقلد المناصب العليا في الدولة، خاصة في مؤسسات القوة وهي القوات المسلحة والشرطة. كما بدأ الرئيس في تدشين مشروع تنموي ضخم هناك بتكلفة مبدئية تبلغ أكثر من أربعة مليارات جنيه، ويتزامن ذلك مع المشروع الأضخم في تاريخ مصر الحديث وهو مشروع تنمية قناة السويس الذي كان المستفيد الأول منه أهل سيناء وكذلك مدن القناة. لكن دولة العسكر أو جمهورية الضباط كما يحلو للبعض أن يسميها، والتي سيطرت على السلطة في مصر بعد انقلاب 1952، رفضت هذه السياسات الجديدة وسعت إلى محاولة وقفها لأنها تؤدي إلى القضاء على سلطتهم والامتيازات الضخمة التي يحصلون عليها سياسيا واقتصاديا. لذا فقد قامت المؤسسة العسكرية بالانقلاب على السلطة المنتخبة في 3 يوليو الماضي، وبدأت مواجهة واسعة مع السياسات التي اتخذها الرئيس المنتخب على مستوى الوطن، خاصة في سيناء التي نالها الجزء الأكبر من كوارث الانقلاب، حيث يشن عليها حربا تستخدم فيها كافة الأسلحة بدعوى محاربة الإرهاب. والحقيقة أن الإرهاب هو الذي يمارسه الجيش المصري ضد المواطنين الآمنين من أجل إرضاء إسرائيل وتقديم فروض الطاعة حتى تساعد الانقلابيين على تسويق انقلابهم لدى دول العالم التي ما زالت ترفض الاعتراف بهم. لكن كما ذكر التاريخ، فإن سيناء كما كانت مقبرة الغزاة، ستكون أيضا هذه المرة مقبرة، لكن لجيش وطني تحول من وظيفته في حماية الوطن والمواطن إلى جيش احتلال يسعى لتنفيذ أجندات الأعداء من أجل حماية مصالحه.