15 سبتمبر 2025
تسجيلواصلت التجارة الخليجية البينية نموها المطرد وبلغت أرقاما قياسية مع الأخذ الجزئي ببنود الاتحاد الجمركي بين دول المجلس، مما يلغي عمليا الفكرة السابقة والقائلة بأن تشابه اقتصادات دول المجلس يحول دون تنمية التجارة البينية والتي ستبقى محدودة لعدم وجود ما يمكن تبادله من سلع وخدمات بين هذه البلدان. ربما كانت وجهة النظر هذه صحيحة في الماضي، وذلك قبل التطورات المتلاحقة والمهمة التي شهدتها العلاقات التجارية الدولية والتي تحولت معها بعض البلدان، كدولة الإمارات إلى عملاق تجاري تمر من خلاله معظم تجارة المنطقة، وذلك إلى جانب أن اقتصادات دول المجلس الست أصبحت أكثر تنوعا في العقد الماضي، بحيث أضحت صناعات وقطاعات إنتاجية عديدة في بعض دول المجلس تعتمد اعتمادا كليا على السلع نصف المصنعة المنتجة في إحدى دول المجلس والتي تؤدي إلى زيادة القيمة المضافة أو تلك العابرة بين دول المجلس ضمن تجارة إعادة التصدير. لذلك، فإن الأمر لا يقتصر على تبادل السلع والخدمات الاستهلاكية بصورة أساسية، كما هو الحال في السابق، إذ إن تكامل اقتصادات دول المجلس من جهة وانفتاح الأسواق الدولية والتسهيلات المقدمة فيها ضمن توجه العولمة من جهة أخرى أفرزت وضعا مختلفا يتيح زيادة التبادل التجاري الخليجي البيني بصورة كبيرة. ولاستمرار هذا النمو في التجارة الخليجية البينية، فإن الأمر بحاجة إلى استكمال البنية التشريعية الخاصة بتسهيل التبادل التجاري، وبالأخص التطبيق الكامل لبنود الاتحاد الجمركي والمتوقع في بداية عام 2015، كما أن ذلك بحاجة لتطوير البنية التحتية الخليجية، وبالأخص الموانئ والمطارات وشبكة الطرق والتي ستحقق نقلة نوعية مع استكمال بناء القطار الخليجي في عام 2017. ويبدو أن التجربة الإماراتية في مجال البنى التحتية تشكل دعما كبيرا للتجارة الخليجية البينية وتستحوذ دولة الإمارات في الوقت الحاضر على %60 من طاقة الموانئ الخليجية، حيث يضم ميناء جبل علي 72 رصيفا لاستقبال السفن، إذ يتوقع أن ترتفع نسبة حصة الإمارات من طاقة الموانئ الخليجية إلى أكثر من 65% مع افتتاح المرحلة الأولى من ميناء خليفة بأبو ظبي والذي افتتح نهاية شهر أغسطس الماضي. لقد أتاحت هذه البنية المتطورة وذات الطاقة الاستيعابية الكبيرة ارتفاع حجم تجارة دبي غير النفطية وحدها مع دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 56% خلال النصف الأول من العام الجاري لتصل إلى 58.5 مليار درهم (15.9 مليار دولار)، مقابل 37.5 مليار درهم (10.2 مليار دولار) في الفترة نفسها من العام الماضي، وذلك وفق بيانات دائرة جمارك دبي. ومع افتتاح المرحلة الأولى من ميناء خليفة، فإن نقلة جديدة تنتظر التجارة الإقليمية والتبادل التجاري الخليجي البيني، خصوصا وأنه من المنتظر أن يتم ربط ميناء خليفة والمنطقة الصناعية الملحقة به "كيزاد" بالقطار الخليجي الذي يمر عبر أراضي دول المجلس الست، مما يمنح الميناء الجديد أفضلية كبيرة من خلال ربط خدماته بمرافق الإنتاج وتلبية احتياجاتها ليس في دولة الإمارات فحسب، وإنما في كافة دول المجلس، وذلك مع الأخذ بعين الاعتبار انخفاض تكاليف النقل بالسكك الحديدية، مقارنة بتكاليف أشكال النقل الأخرى، وبالأخص البرية، مما سيساهم في تخفيض إنتاج السلع الخليجية وزيادة قدراتها التنافسية في الأسواق الخليجية والدولية. ومما يؤكد مثل هذه الأهمية لميناء خليفة والذي أقيم في منطقة الطويلة بأبوظبي بمساحة 2.7 كيلو متر مربع هو قدرة الميناء الاستيعابية والتي تبلغ 2.5 مليون حاوية ترتفع إلى 15 مليون حاوية بحلول عام 2030 وبسعة تخزينية تصل إلى 50.5 مليون حاوية، علما بأن منطقة "كيزاد" الصناعية تستوعب مئات المشاريع وتوفر آلاف فرص العمل، وذلك ضمن رؤية أبوظبي لعام 2030. وقدرة تكلفة المرحلة الأولى بمبلغ 26.5 مليار درهم (7.2 مليار دولار)، حيث يتوقع أن يبدأ تنفيذ المرحلة الثانية، مباشرة بعد الافتتاح الرسمي للمرحلة الأولى بداية العام القادم 2013، مما سيتيح الوصول إلى أسواق تضم 4 مليارات نسمة، أي ما يشكل %60 تقريبا من سكان العالم. وبالإضافة إلى الأهمية الخاصة بتنمية التجارة الخليجية البينية، فإن ميناء خليفة سيعزز من الدور المتنامي لدولة الإمارات في التجارة الإقليمية، مما يتناسب وموقعها الجديد في العلاقات الدولية، باعتبارها دولة صاعدة وسريعة النمو.