20 سبتمبر 2025

تسجيل

المراوغون.. وتحدي الواقع

15 سبتمبر 2011

يعرف المراوغون بمواقفهم الزئبقية التي لا تثبت على حال ولا يستقر لها قرار، فهم يهربون من مواجهة الواقع بالتسويف تارة، وبالهروب تارة، وبالتحايل تارة أخرى، كل ذلك من أجل تحدي الواقع وعدم الاستجابة الواعية لمتطلباته وما يفرضه من قرار حازم وحاسم حيال كل ما يواجههم من مواقف تستوجب قرارات لا تحتمل التأجيل، يتساوى في هذا الأمر أي مسؤول مهما كان مستوى مسؤوليته في حياته الخاصة أو العامة. وقد تكون المراوغة للخلاص من موقف متأزم نتيجة العجز عن تحديد إجراء معين حيال هذا الموقف، وفي مثل هذه الحالة لن تكون النتيجة سوى المزيد من التعقيد، والهروب السلبي حيال ذلك الموقف، وقد يترتب على هذه المراوغة الكثير من السلبيات التي يمتد ضررها إلى الآخرين دون إدراك من المراوغ لحجم هذه السلبيات وما يترتب عليها من خسائر مختلفة، وهذا ينطبق على جميع المواقف، ابتداء من المواقف الأسرية وعدم التعامل معها بوضوح، ومرورا بالمجتمع والهروب من المشاركة في بنائه، ووصولا إلى الوطن والاحجام عن الإسهام في تنميته الشاملة، وانتهاء بالقيادة باختلاف أشكالها ومستوياتها، فالأب المراوغ لن يتمكن من تربية أبنائه تربية سليمة قائمة على الوضوح والصدق وتحمل المسؤولية، وكذلك المواطن الهارب من مسؤوليته الاجتماعية بالتسويف وعدم المشاركة في العمل على خدمة المجتمع وتطويره، مع عدم الاحساس بالمسؤولية تجاه أفراده، وهذه السلبية تمتد حتما إلى ما يتعلق بالوطن ومسؤولية المواطنة من حيث الشعور بأهمية أي جهد مثمر يبذل من أجل الوطن حسب الإمكانيات المتاحة، وما تفرضه المسؤولية الوطنية من إحساس بأن أي منجز وطني عام هو مكسب شخصي للمواطن، عليه ان يحافظ عليه، ويدافع عنه بشتى الطرق ومختلف الوسائل، ليس هذا فقط بل الإقدام على كل ما يمكن من خطوات لتطوير هذا المنجز الوطني دون اللجوء للمراوغة في التعامل مع هذا المنجز، أو إزاحة هذه المسؤولية إلى غيره من المواطنين أو المسؤولين. ويكبر حجم الضرر من المراوغة إذا وصل الأمر إلى المسؤول الذي يمتد تأثير قراراته إلى عامة الناس وخاصتهم، فهذا المسؤول إذا تجاهل الشفافية والوضوح ولجأ إلى المراوغة في التعامل مع الأمور الملحة، إنما يعطل حركة التنمية من ناحية، ويشيع عدم المسؤولية بين من حوله من ناحية أخرى، حيث يتنامى الإهمال لقضايا قد تكون مصيرية لفئة أو لأخرى من المواطنين، وبمثل هذه المواقف المراوغة تتعطل مصالح المواطنين، ويصيبهم من الضرر ما لا يقدر على فهمه أو التأثر به.. ذلك المسؤول المراوغ، الذي لم يسعفه ضميره ليكون إيجابيا في جميع مواقفه، استجابة لما يفرضه الواجب الوظيفي، والانتماء الوطني، والضمير اليقظ، في التعامل مع مختلف المواقف بوعي ومسؤولية، ولأن مراوغة المسؤولين أو الحكام يكبر حجم ضررها بمقدار حجم المسؤول أو الحاكم، فقد قال الشاعر شبلي الأطرش: هذي مصايبنا وهذي حوابنا وَالقَلب من حملانها منضام يا لائمي كف المَلامة وَخلني يَكفيك شر مراوغ الحكام. ويبقى القول ان تحدي الواقع بالمراوغة لن ينتج سوى الكثير من الويلات، وعلى جميع المستويات، لا فرق في ذلك بين مواطن عادي أو مسؤول كبير، أو حاكم له شأنه وفي أي عصر من العصور. [email protected]