12 سبتمبر 2025

تسجيل

"السفارة في العمارة"

15 سبتمبر 2011

كان منظراً رائعاً مهيباً بالنسبة لي طبعاً ولعموم العرب والمسلمين ومؤسفاً للبعض بالتأكيد أن يحاصر شباب مصر .. شباب الثورة .. شباب الحرية والكرامة .. أن يحاصر هؤلاء الشباب مقر السفارة الصهيونية في مصر وأن يطالبوا بطرد السفير الإسرائيلي وإغلاق السفارة الإسرائيلية في مصر، بل وزادت روعة المشهد أن اقتحم هؤلاء الفتية الذين آمنوا بربهم .. لا بأمريكا ولا بروسيا ولا بغيرها من الدول العظمى، فاقتحموا ذلك المقر بعد أن اعتصموا طويلاً أمام تلك العمارة التي تلوثت بوجود هذه الحفنة من القاطنين وهؤلاء المجرمين من السكان، حتى إذا ما طال الوقت ولم يُجدِ مع هذه الفئة التي لا تعترف بحقوق الإنسان شيئاً فما كان منهم إلا أنهم تسلّقوا الأسوار وأخذوا بتحطيم وتكسير جدار الحماية من أمام المبنى وحطّموه بفؤوسهم وسائر عدّتهم بل وأجزم بأنهم حاولوا بأقدامهم كذلك وبكل ما يملكون من قوة إيمانية وروح ناهضة جديدة، حتى مكّنهم الله من اقتحام ذلك الوكر الجاسوسي الذي كانت تفوح منه روائح الخيانة العظمى لله ولرسوله أولاً وللأمة العربية والإسلامية ثانياً وللتاريخ ثالثاً، والذي كانت منه تأتي القرارات والتعليمات تمهيداً لتنفيذها والانقياد لها كما تنقاد الذبيحة إلى جلادها فتسلم له رقبتها وسائر جسدها، هذا الوكر الذي كانت منه أيضاً تصدر الإجراءات لوأد المقاومة الفلسطينية وتضييق الخناق على أهلنا في فلسطين وفي غزة تحديداً بعد أن حاول حسني مبارك وزمرته أن يقضوا على أهل غزة ويتواطؤوا مع عدوهم ضد إخوانهم في الدين والعروبة، ولكن هيهات يرعوي وهيهات يرتدع من لم يخش الله في شعبه فكيف يخشى قوماً أقل منهم مكانة ومهابة في نظره، هذا الوكر الذي دنّس تراب مصر على مدى عقود من الزمن عندما طأطأ أنور السادات رأسه وركع أمام إسرائيل وأكمل بعده حسني مبارك السجود لإسرائيل مختتماً صلاته تلك .. بقوله السلام عليكم بني صهيون .. ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين. إن منظر الشباب وهم يغلون حنقاً وغضباً على هذا الكيان الصهيوني وعلى سفارته ومبالغة أحدهم بقوله "سنكمل الطريق إلى فلسطين"، إنما ليزيد المشهد بهجة خاصة عندما تتطاير أوراق ووثائق السفارة الإسرائيلية في الفضاء بالرغم من أمنيتي في أن يجمع هؤلاء كل صغيرة وكبيرة من تلك الأوراق لكشف فضائح وفظائع هذا الكيان الصهيوني في مصر وغيرها من الدول العربية ولكشف فضائح قوم آخرين من أمثال حسني مبارك وأمثاله في جسد الأمة العربية والإسلامية، وأزعم بأن الشباب قد انتبهوا لذلك جيداً وتمكنوا من جمع تلك الأوراق المتطايرة والاحتفاظ بها خاصة ونحن نشاهد أحدهم يمسك بورقة كتبت بالعبرية وهو يترجمها ويفضح من خلالها تآمر الحكومة المصرية السابقة على الشعب المصري وشقيقه الفلسطيني، وأكاد أجزم بفرحة الشباب المصري بل وبفرح شباب الأمة العربية والإسلامية معهم أثناء تلك اللحظة التاريخية وهم يشاهدون تلك الأوراق تتطاير ويستبشرون معها بتطاير الخوف ومعاهدات الاستسلام والهزيمة وقدوم رياح التغيير والنهضة والنصر وهبوبها مع تلك الأوراق على مصر وتونس وسائر بلاد الأمة العربية والإسلامية. وليس بغريب أبداً أن يفر السفير الإسرائيلي خائفاً مرتعداً عائداً إلى فلسطين - ولا أقول دياره - فراراً من أيدي هؤلاء الذين أجزم بأنهم قادرون على الفتك به بأسنانهم قبل أيديهم، وهذا يدلل لنا أن اسرائيل تحتاج إلى وقفة رجولية بطولية لا أكثر من أجل الوقوف أمامها وأمام حليفتها ونصيرتها أمريكا، وما عملية السلام معها إلا هراء ومضيعة للوقت واستنزاف لأموال ودماء الأمة وهو الأمر المقصود من وراء ذلك كلّه، ولا يقف في وجه ذلك الحل إلا كل متخاذل متواطئ عميل .. خائن لله ولرسوله ولدينه وعروبته، فأي شيء نخشاه نحن المسلمين .. إما نصر على عدونا وتمكين لنا في الأرض وإما شهادة فجنة فلقاء ربنا، وكلا الأمرين غاية رغبتنا ومطلوبنا. إن في تلك اللحظة التاريخية شحنة عاطفية كبيرة أزعم أنها انتقلت إلى نفوس جميع المتابعين لها من الشعوب العربية والإسلامية، ولكنها يجب ألا تنجرف في العاطفة أكثر من العقل، فعلينا أن نزيل رواسب كل تلك الأنظمة الفاسدة المؤمنة بإسرائيل كذلك على أرض الواقع ومن جسد الأمة العربية والإسلامية، وأن نجاهد كل فكرة تدعو إلى الاستسلام والخضوع لعدو غاصب بكل ما أوتينا من قوة سواء بالجهاد بالنفس أو المال أو الجهد .. فلا فرق ففي ذلك ذروة سنام الإسلام وعلو شأنه في نفوسنا وفي العالمين، وأن نزيل مع تلك الأفكار .. كل فكر هادم مخرّب ومعطل للأفكار والطاقات وبالأخص أفكار وطاقات هذا الجيل الشبابي الثائر .. والذي سعى من أجل إفساده رجال السياسة والثقافة والفن بل ورجال الدين أحياناً في حقبة سبقت، عندما عطلوه وأثنوه فضلاً عن أن يحمّسوه ويشجّعوه، حتى إن المدعو عادل إمام تناول فكرة مقاومة السفارة الإسرائيلية في فيلمه ( السفارة في العمارة ) ولكن طبعاً وسط ابتذال وفجور كبيرين كالعادة، يهدف من ورائهما إلى المشاركة في تخدير شباب الأمة وهدم عقولهم وأخلاقهم.. فهيهات له ذلك.. بعد أن أثبت هؤلاء الشباب بأنفسهم أنهم قد تركوا عادل إمام وأمثاله مرتعداً خائفاً في شقته بالعمارة وقت اندلاع الثورة وخرجوا بأنفسهم ليثوروا على الظلم وعلى عدوهم الداخلي قبل الخارجي، واستطاعوا بجدارة.. أن يطردوا السفير .. ويغلقوا السفارة.