18 سبتمبر 2025

تسجيل

العراق.. موسم الهروب الكبير

15 أغسطس 2015

في العراق، حيث الخرافة تجاور المأساة، وتقبع الحوادث متصيدة للمواقف المستجدة، تسير الأوضاع هناك نحو نهايات مفاجئة وشائكة في معانيها ودلالاتها، فأحداث الأيام الماضية حفلت بتطورات مثيرة للدهشة أبرزها حالة التفكك والانحلال في صفوف السلطة، وخروج الجماهير للشارع لأول مرة منددة بحكم الأحزاب الدينية، ومحتجة على الوجود الإيراني المؤثر في الساحة الداخلية من خلال هتاف جماهير المدن الشيعية ما غيرها وهي النجف وكربلاء والقائلة: (إيران بره.. بره)!! أي تطلب من الإيرانيين صراحة عدم التدخل في الوضع الداخلي العراقي، وهي صرخة احتجاج شعبية واضحة الدلالات ضد حكم وسطوة الأحزاب الطائفية المرتبطة بالنظام الإيراني ارتباط السوار بالمعصم والتي مارست الفشل وأدمنته وحولت الفساد والفوضى لطريقة حكم وحياة في العراق!. ولعل ما عكس توتر الساحتين العراقية والإيرانية هو تصريح رئيس أركان الجيش الإيراني بتصريحات سياسية لا تتناسب وموقعه العسكري المحض حينما وصف التظاهرات الشعبية العراقية بكونها تحركات الكفار وأعداء الإسلام!!،وهو نفس تقويم وتصنيف إمام جمعة النجف (صدر الدين القبانجي) الذي وصف التظاهرات بكونها علمانية تهدف لمحاربة الإسلام؟ وهو تصنيف غريب ولا يتناسب أبداً مع الواقع والرغبة الجماهيرية السائدة والتي انطلقت من عقالها لتندفع تحت ضغط الخسائر البشرية في الحروب الداخلية، وقسوة الحياة من دون كهرباء مستمرة أو ماء نظيف في صيف عراقي رهيب ولاهب عجل باندلاع شرارة الانتفاضة التي دقت معها أحزاب التطيف نواقيس الخطر معلنة الاستجابة للمطالب الشعبية من خلال حزمة من الإجراءات اتخذها رئيس الحكومة حيدر العبادي تتمثل بتخفيض أعداد الحمايات وبإلغاء مناصب حكومية مهمة مثل نواب رئاسة الجمهورية والوزراء والتي لم تعلن إلا ضمن إطار المحاصصة الطائفية وإرضاء هذا الطرف أو ذاك مما فتح الباب على مصراعيه لموجات من النهب الشامل على مدى عقد من السنين انتهى بإعلان إفلاس الدولة ووصول الوضع الاقتصادي لدرجة بالغة الدقة والحراجة إلى درجة عجز الدولة عن دفع رواتب العديد من الموظفين، إضافة لتوقف دفع رواتب ومخصصات الحشد الشعبي الذي توقفت أو تعثرت عملياته العسكرية ولم يعد الحديث متداولا عن تحرير الأنبار ولا الموصل ولا أي قطعة أرض بل عن إجراءات حكومية لترقيع الوضع المتدهور، ومنها فتح ملفات الفساد المالي الكبير الذي تسبب في عجز رهيب في ميزانية العراق اضطره للاستدانة من صندوق النقد الدولي حاله حال الدول الإفريقية الفقيرة والفاشلة. لقد تحدث العبادي عن تشكيل لجان ولكن تاريخ اللجان التحقيقية في العراق مزر للغاية ولم تصدر عنها أي نتائج ميدانية فعلية بل إن القضايا الخطيرة تذوب في تلك اللجان التسويفية، المهم أن مافيا الفساد العراقي الكبرى قد تشكلت في عهد حكومة نوري المالكي الذي هو عراب الفساد الأكبر في الدولة العراقية الراهنة، وفتح التحقيق معه يعني أشياء كثيرة تضر بالسلطة الحاكمة وبرئيس الحكومة حيدر العبادي الذي يعتبر نوري المالكي قائده المباشر في حزب الدعوة!، ثم إن المالكي له ارتباطاته الإقليمية القوية جدا مع الحلف الإيراني في المنطقة، وله امتدادات وأذرع داخل مؤسسات الدولة العراقية العسكرية والأمنية، كما أن الميليشيات المؤلفة للحشد الشعبي تنسق معه وهي ميليشيات إيرانية المرجعية أولا وأخيرا، لقد رسمت سيناريوهات إنقاذ للموقف وسط مطالبات شعبية عارمة باعتقال نوري المالكي وتقديمه للمحاكمة!! وهو بمثابة خط أحمر لإيران وحلفائها في العراق والمنطقة، وليس هناك من حل سوى تهريب الرجل للخارج أو هروبه بطريقة أو بأخرى!!، رغم أن أدواته لم تزل أياديها طويلة في السلطة، هنالك رموز وأسماء ومسميات ومطالبات شعبية تلوح بالإطاحة برؤوس مهمة، لكن المسألة ليست على هذه الدرجة من البساطة، فهل بدأ موسم الهروب السلطوي العراقي الكبير؟ وهل ستبقى الميليشيات الإيرانية مكتوفة الأيدي، أم أنها ستتحرك؟.. كل السيناريوهات والخيارات متشابكة، سوى التأكيد على أن تطورات قريبة مرعبة سيشهدها العراق وهو يخطو نحو مرحلة جديدة من تاريخه المتوتر والحافل بالمصائب والمصاعب والأزمات!