12 سبتمبر 2025

تسجيل

الأمة قادرة على إنقاذ شعب الصومال لكنها تفتقر إلى الإرادة السياسية

15 أغسطس 2011

يبدو لي أن قدرا من تيبس المشاعر وتحجر القلوب يسكن أطراف الأمة التي تتابع تقارير وصور المجاعة المستشرية بأرض عربية مسلمة هي الصومال دون أن يتحرك لها جفن رغم أن تعداد شعوبها يتجاوز المليار و300 مليون مسلم منتشرين في أنحاء المعمورة ويمتلكون الثروات والإمكانات الهائلة. بالطبع يتعين علي أن أستثني حتى الآن مبادرات قطر والسعودية والإمارات والكويت وتركيا وإيران ومصر والتي سارعت حكوماتها ومؤسساتها الخيرية إلى تخصيص مبالغ مالية وإرسال مساعدات عاجلة عبر الطائرات إلى مقديشيو للمساهمة في تخفيف المعاناة حتى حين كنت ضيفا في برنامج قضية ساخنة بقناة الكوثر الإيرانية الفضائية والذي خصص حلقة مساء الخميس الماضي لمناقشة أزمة المجاعة بالصومال ولفت انتباهي إشارة أحد ضيوفه إلى غياب المجتمع الدولي خاصة الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم المتقدم عن تقديم العون للشعب الصومالي في محنته فاستنكرت الطرح وقلت لمحاوري: إننا لسنا في حاجة إلى هذه الدول فالأمة لديها من المقومات ما يتيح لها إمكانية إنقاذ هذا الشعب لكن يبدو أن الإرادة السياسية ما زالت هي الغائبة. ذلك يدعوني إلى ضرورة أن يعمل الاجتماع الطارئ للجنة التنفيذية لمنظمة التعاون الإسلامي والتي تضم عددا من وزراء خارجية الدول الأعضاء بالمنظمة والذي سيعقد بعد غد الأربعاء باسطنبول بدعوة من الحكومة التركية إلى توفير وسائل تفعيل هذه الإرادة حتى تتحرك مفردات الأمة بقوة لإنقاذ شعب معرض للإبادة في ظل استمرار المجاعة التي تنتشر في أغلب مناطق وسط وجنوب الصومال والتي تفاقمت وضعيتها بعد التقارير التي أشارت إلى بدء انتشار مرض الكوليرا نتيجة استخدام السكان للمياه الملوثة وتشير آخر الإحصاءات إلى أن هناك زهاء 6ر3 مليون شخص مرشحين للمعاناة من المجاعة إذا لم يتم الإسراع بتوفير متطلبات الحد الأدنى للحياة لهم . أود أن يعقد هذا الاجتماع الطارئ برئاسة الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي الدكتور أكمل الدين أحسان أوغلي وفق الأنساق التقليدية التي ينتهي مفعولها بعد رحيل المشاركين فيه اكتفاء بما يمكن وصفه بتبرئة الذمة عبر إصدار بيان يحتوي على عبارات التعاضد والمشاركة في الألم وإرسال بعض المساعدات العينية التي لا تكفي بالطبع لإنهاء هذه المجاعة التي تقطع صور الأطفال والنساء والرجال الذين يعانون منها نياط القلوب ما أريده ويريده غيري أن يتحول هذا الاجتماع إلى ما يشبه ورشة العمل التي تشخص الأزمة على نحو موضوعي وتحدد طرق ووسائل التعامل معها بما يقود في أقرب وقت إلى احتوائها ثم إنهائها عبر خطة سريعة تتضمن تقديم العون الغذائي والطبي الذي يقضي على صرخات الجوعى والمتألمين والمرضى والذين تبرز عظامهم بطريقة فظة خاصة الأطفال الذين لا حول ولا قوة لهم ثم خطة بعيدة الأمد تعمل على توفير وسائل حفر آبار والسعي إلى استزراع الأراضي اليابسة التي تعرضت للجفاف في الفترة الأخيرة مما أدى إلى المجاعة والأهم - وفق هذه الخطة المطلوبة - هو السعي إلى تحقيق نوع من المصالحة الوطنية الحقيقية التي تؤهل شرائح الشعب الصومالي وقواه المختلفة والمتحاربة إلى الانضواء تحت راية نظام سياسي واحد يكون بمقدوره استعادة الأمن والاستقرار تمهيدا لبدء خطط تنمية تعيد الصومال إلى امتلاك قدرة إنتاجية في ظل ما تمتلكه من ثروات وموارد طبيعة هائلة وأظن أن البنية التحتية لتنفيذ مخططات من هذا النوع متوافرة تحت عباءة منظمة التعاون الإسلامي التي تشهد قدرا كبيرا من الحيوية منذ تولى أدارتها الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلي وذلك في ظل عدد من المعطيات أولها أن هناك مكتبا تابعا للمنظمة بمقديشيو من شأنه الإشراف إذا ما وفرت له الكفاءات البشرية والطاقات التقنية الجماعية على عملية توزيع المساعدات الإنسانية والطبية والغائية على نحو يقود إلى تسليمها إلى ضحايا المجاعة والمنتشرين داخل العاصمة والمناطق المحيطة وحتى مناطق الحدود مع كل من كينيا وإثيوبيا التي زحفت إليها حشود النازحين والمصابين بالأمراض. ثانيا أن الكلفة المالية المطلوبة ليست بعيدة المنال بعد أن أتيحت مبالغ لا بأس بها وفي صدارتها 60 مليون دولار خصصها الملك عبدالله بن عبدالعزير العاهل السعودي و10 ملايين دولار وفرتها الحكومة الكويتية ويمكن زيادة هذه المبالغ خلال الاجتماع المرتقب باسطنبول بعد غد. ثالثا: يتعين توظيف الأجواء المحيطة بشهر رمضان المبارك في الحصول على إسناد شعبي لتوفير المزيد من الأموال من خلال دعوة الخيرين من أبناء الأمة إلى الدفع بزكوات أموالهم وزكاة الفطر وغيرها من أنواع الصدقات التي يسارعون بإنفاقها في هذا الشهر الكريم للمساهمة في إنقاذ أشقائهم من أبناء الشعب الصومالي وثمة فتاوى من مراجع دينية سنية وشيعية أجازت ذلك ولكنه في حاجة إلى نوع من التنظيم والتوظيف الأمثل تحت إشراف المنظمات الخيرية والإنسانية في عدد من الأقطار العربية والإسلامية ومعلوماتي أن بعضا منها أخذ المبادرة بالفعل وتحرك في الشارع وبدأ يجمع الأموال والمساعدات عبر حسابات خاصة بالبنوك والمصارف فضلا عن تخصيص مراكز لتلقي المساعدات العينية. رابعا: ليس مطلوبا الاستبعاد النهائي للمنظمات الإنسانية الدولية أو لمساعدات بعض الدول الأجنبية فهي يمكن أن تمثل رافدا مهما في احتواء المجاعة خاصة بفعل ما لديها من خبرات في التعامل مع هذه النوعية من الكوارث وفي هذا السياق فإنه ينبغي التنسيق مع الجاد منها والذي يتحرك وفقا لدوافع إنسانية وليس دوافع سياسية خاصة أن ثمة حالة من عدم الثقة في بعض من هذه المنظمات التي تحاول أن تستغل الأمر لأهداف تتعلق بمشروعاتها التبشيرية وهو ما يمكن مواجهته عبر تكثيف وجود المنظمات الإسلامية ذات الكفاءة العالية والخبرة الطويلة المكتسبة من العمل في مواقع أزمات وكوارث مثل أفغانستان والبوسنة والهرسك وكوسفو وغيرها من المناطق المشتعلة. خامسا: إن الأجواء الأمنية والتي ظلت مصدرا للشكوى على مدى السنوات الثلاث السابقة باتت مهيأة الآن لدخول المساعدات والكوادر المصاحبة دون خوف من هذه الميليشيا أو تلك بعد أن تمكنت قوات الحكومة الانتقالية من إجبار ميليشيا شباب المجاهدين من الخروج من العاصمة وتعهدها بتوسيع سيطرتها على باقي مناطق الصومال وأظن أن تلك مهمة مطلوب أن تساهم فيها الدول الإسلامية بإلحاح حتى يكون بمقدور حكومة شيخ شريف أحمد أن تفرض سطوتها وبالتالي قانونها على جميع الأراضي الصومالية وهو ما لم تنجح فيه حتى الآن بفعل عوامل إقليمية ودولية تحبذ إبقاء الحالة الصومالية في حالة عدم الاستقرار وبعيدا عن سيطرة حكومة مركزية قوية. إن شعب الصومال ينادي أمته كي تسارع بإنقاذه من محنته فهل تمتد أيدي حكوماتها وشعوبها لكي تشكل منظومة قوية قائمة على أسس علمية وإنسانية تحميه من خطر الإبادة سواء بفعل حروب الطبيعة أو من جراء حروبه الداخلية؟ أحلم بذلك السطر الأخير: متعب أنا يا الله مسكون بهواجس ومخاوف جمة الأحزان تلاحقني والأوجاع تعبث بمقاديري ثمة من يلهو بشعوب الأمة يقتل يذبح فيها كي يبقى على عرش السلطان كي يكنز ذهبا ولؤلؤا ومرجان لا يتورع من أن يبدو شيخا قدسيا يتلو القرآن أتوجع يا مولاي وأنا ألمح دما يسفك وجسدا يهان أو عينا تفقأ أو يقطع لسان من ينقذنا يا الله من نفر افتقدوا روح الإنسان؟ لمن يتوجه الجوعى والحيارى والمعذبون ومن قتلهم عقيد فاقد الهمة وذبحهم بشار لك وحدك يا الله فأنت القادر والقيوم المنتقم الجبار