13 أكتوبر 2025
تسجيلبصراحة وبدون لف ودوران وحتى بلا لغة الدبلوماسية كثيراً ما يطرح علينا من يريد إحراجي أنا وغيري منذ عقدين بسؤال تقليدي وغير بريء هو (ماذا تجيبنا إذا سألناك عن القاعدة الأمريكية في قطر) فأجيبه بنفس جواب سمعته شخصياً من أحد صناع القرار القطري وهو: «إن الذي أدخل الجيوش الأمريكية والأجنبية عموماً إلى الخليج كله هو المرحوم صدام حسين حين ارتكب الخطأ الأكبر في حياته يوم 2 أغسطس 1990 فاحتل دولة الكويت دون سابق إنذار أو إعداد ولم يقرأ أي حساب لواقع القانون الدولي أو طبيعة العلاقات الدولية وتشابك مصالح الدول العظمى وارتباطها الجدلي بالطاقة في منطقة شديدة الحساسية والخطورة. وفي غفلة من الدهر كعادة العرب صفق للاحتلال جزء من العرب في سياساتهم ودبلوماسياتهم وإعلامهم مع الأسف، وتبنت أنظمة عربية قليلة ذلك الغزو بل وبررته بما نقرأه اليوم بحسرة وهي ما عرف بدول الضد، وكان من الطبيعي والمتوقع أن تتجاوز أزمة الاحتلال العراقي لدولة الكويت حدود الدولتين وحدود المنطقة لتتحول إلى معضلة عالمية تستدعي أولا الإقناع الذي لم يجد نفعاً (تذكروا زيارة وزير الخارجية الروسي المستشرق طيب الذكر (بريماكوف الذي كتب التفاصيل في مذكراته) ليثني صدام عن احتلال الكويت بتعليمات من الرئيس (غورباتشوف). ثم تذكروا زيارة مبعوث الرئيس الفرنسي ميتران الوزير المستعرب (ادغار بيزاني الذي أيضا دون اللقاء مع صدام وأعوانه في مذكراته) ثم حين لم يتزحزح صدام عن موقفه وظل يكابر ويهدد الجميع بالغزو ويدعي بنفسه أمام الفضائيات أن لديه أسلحة الدمار الشامل! مما أعطى الضوء الأخضر لمجلس الأمن فأضفى على التدخل العسكري لتحرير الكويت بالقوة شرعية القانون الدولي، كما أنه هو الذي أتاح للمحافظين الجدد في أمريكا فرصة تاريخية لضرب العراق وهم يخططون منذ الثمانينيات لضرب بغداد وإلحاق الهزيمة بكل العرب لفائدة إسرائيل! أمثال رامسفيلد وفولفوفيتز وريشارد بيرل الذين أقنعوا بوش الأب ثم بوش الابن باحتلال العراق والقضاء على قوته والحد من مخاطر الغزو والعدوان على جيرانه، خاصة بعد حرب عبثية أعلنها ضد إيران دامت ثمانية أعوام! الذي جرى ولم يفاجئ أحدا هو تدويل ملف الشرق الأوسط وخروجه من أيدي أهل الإقليم ليصبح لدى الأمم المتحدة ومجلس الأمن وحكومات الدول القوية قضية شرعية دولية وأممية. وتبعاً لذلك تواجدت في الميدان وفي كل دول الإقليم دون استثناء القوات الضامنة لعدم تكرار المغامرة العراقية وعدم تهديد التوازن الإقليمي لزمن يطول أو يقصر حسب تطور الأزمة وتشعب المصالح المعقدة بين الدول الكبرى. ولا تنسوا أن الأزمة اندلعت في زمن كانت فيه الدول العربية والشرق أوسطية مثل ذيل السمكة تفرقا وتضادا وعجزا ليس اليوم مجال تحليله أو تبريره وهو وضع معروف وموروث منذ عقود كتركة استعمارية وإمبريالية زرعت بذور الفتنة والشتات وعقد الاستنقاص واحتقار الذات لدى النخب العربية التي حكمت العرب وبعضها لا يزال يحكم. لا ريب في أن التواجد الأمريكي في الشرق الأوسط لم يبق حصرياً أو منفرداً فقد تعاقبت الأزمات في العراق وسوريا ولبنان وطبعاً على أرض فلسطين المحتلة لتفتح أبواب هذا الشرق المضطرب العاصف الحائر أمام الروس والأوروبيين وحتى الصين بأشكال أكثر تخفياً وأمام إيران لتساند حلفاءها وشيعتها في بلدان عديدة ليست لها من المناعة والاستقلال والقوة ما يعزز وحدتها الوطنية. ونحن حين نستعرض بعض الخلفيات التاريخية للتواجد الأمريكي إنما لتفسير العصر الراهن ومحاذيره وتداعياته ولنصل إلى يوم 5 يونيه 2017 حين تعرضت دولة قطر إلى حصار جائر منذ أكثر من سنتين فسره السيد (تيلرسون) وزير خارجية الولايات المتحدة السابق بأن له سببين اثنين: الطمع في ثروات قطر والحسد من ارتفاع أسهمها السياسية والدبلوماسية في العالم، وأضافت لهما السيدة (ليز دايم فارسنستاين) أستاذة الاقتصاد السياسي في جامعة (ألينوي) الأمريكية سببا آخر وهو حرص القيادة القطرية على سن سياسات مستقلة ترتكز على القيم الدولية والمبادئ الأخلاقية. وفي هذا الإطار نضع الزيارة التاريخية الموفقة التي أداها حضرة صاحب السمو إلى واشنطن هذه الأيام والترحاب الحار الذي حظي به سموه لدى الرئيس ترامب ووزرائه والكونغرس والمؤسسات الأمريكية الاقتصادية الكبرى. ونعتقد أن أدق وصف لهذه الزيارة هو الذي اتفق عليه أبرز المسؤولين في الإدارة الأمريكية ونقلته (الواشنطن بوست) و(نيويورك تايمز) حين قالتا: «إن زيارة الأمير القطري و ما حققته وما أعلنته من شراكة ناجعة بين الدولتين أكدت أنه لا فقط العلاقات بين واشنطن والدوحة بلغت منعرجاً حاسماً بل إن العلاقات الأمريكية الخليجية كلها انعطفت نحو أمن أعمق وتعاون أشمل وتفاهم أكبر مما يخدم السلام ويجنب الإقليم والعالم مخاطر الأزمات والصدام. [email protected]