16 سبتمبر 2025

تسجيل

الجفاف العاطفي في الأسرة

15 يوليو 2016

إن العواطف الصادقة تحرك الجبال قبل النفوس وتوجه كثيرا من سلوكياتنا إما إلى السعادة الحقيقية أو إلى الشقاء والعناء الذي لاتحتمل معه الحياة، بل تدير منازلنا ومؤسساتنا شئنا أم أبينا، ولذلك ينبغي أن نهتم بالعاطفة ونحركها نحو الأفضل، فكلمات الحب الهامسة ولمسات الأبوة الحانية وقبلات الأم الدافئة، تلعب دورا ملموسا في تربية الأبناء، فالنفس البشرية عميقة وتحتاج إلى جهود كبرى لفهمها والتوصل إلى المعاملة المثالية معها، فلقد أدرك الغرب أنه تقدم كثيرا في مجال المادة والتقنية والصناعة، ولكنه فشل في إدراك أسرار هذه النفس البشرية التي حار الفلاسفة على مر العصور في فهمها، ولكن هدي الإسلام بينها لنا في تعاليم النبي صلى الله عليه وسلم للمجتمع الإسلامي، عندما جاء الأقرع بن حابس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه يقبّل الحسن بن علي رضي الله عنهما، فقال الأقرع: أتقبّلون صبيانكم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبّلت واحدا منهم قط، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "من لا يرحم لا يرحم" متفق عليه. فالأسرة هي التي تتلقى الطفل منذ نعومة أظفاره ومنذ أن يفتح عينيه على النور وهي الوعاء الذي تتشكل داخله شخصية هذا الطفل تشكيلا فرديا سلوكيا واجتماعيا، كما انها المكان الأنسب الذي تطرح فيه أفكار الآباء والكبار ليستطيع الصغار تطبيقها على مر الأيام من خلال تنشئتهم في الحياة، فهي أول جماعة يعيش فيها ويشعر بالانتماء إليها، ويتعلم منها كيف يتعامل مع الآخرين في سعيه لإشباع حاجاته وإقامة العلاقات التعاونية بين الناس، ولها يرجع الفضل في تعلم الإنسان واكتساب المهارات والقيم وقواعد الآداب والأخلاق، فعندما تسأل أحدا من الناس عن أنه يحب زوجته وأولاده لا يختلف بل يكاد يجزم أن المحبة واقعة بينهم، ولكن أين التعبير عن الحب، لا تجده ملموسا بين الزوجين وبين أفراد الأسرة ككل، للأسف تجد بعض بيوتنا صحراء قاحلة يختفي بين أفرادها عبارات الحب الهامسة والبسمة الشافية، فما نجد إلا جفافا في المشاعر وقسوة في العبارات التي غالبا ما يصحبها صوت عال بالمنزل بين الأزواج، وبين الأولاد وبين الآباء وأولادهم، فاضطراب الحياة المعاصرة وتشعباتها وتوترها وقلقها أدى إلى كوارث في هذه الحياة أولها انتشار الطلاق، وهدم البيوت وتشريد الأطفال وتكوين أجيال من الشباب والفتيات الذين لم يعيشوا حياة أسرية مستقرة، فتوجه منهم من توجه إلى الجريمة بأنواعها والمخدرات وضياع الوقت، فلكل مجتمع عاداته وقيمه وأمثلته الخاصة به وهي تشكل الركيزة الثقافية التي يعتمد عليها، لذلك تعد الأسرة السعيدة اللبنة الأساسية في أي مجتمع، لذا فإن التعرف على الأبعاد الأساسية السائدة داخل الأسرة يعطينا مؤشرات واضحة نحو أساليب اكتساب القيم والعادات والمحافظة على المعتقد الديني وانتقاله من الآباء إلى الأبناء لينساب بشكل طبيعي بعيدا عن التعنت وأنماط الضغط في التربية لاكتساب هذا المكون الأساسي، فكم من مشكلات أسرية قامت بسبب كلمات جارحة وصرخات غامضة على أمور تافهة، حتى وصلت في بعض الأسر الى تقاطع الأرحام والتفكك الأسري بل وامتدت إلى القطيعة والهجر، إنه الجفاف العاطفي، أين لو سمحت مثلا وأحبك والسلام عليكم والكلمات المعبرة عن صدق وتسامح ومودة، فمن المؤسف أن تسمع من الأبناء أمي لا تحبني ولا تعلمني شيئا إلا بصوت عال ولا تقبلني إلا في العيد، وأخرى زوجي لا يحبني، وآخر والدي لا يحبني، نعم الحب موجود لكنه غير ملموس والتعبير عنه مفقود، فمن الأفضل والأحسن أن نتدرب عليه ونتفق مع أبنائنا على ممارسته قبل النوم وبعد الاستيقاظ وعند الخروج من المنزل او الدخول اليه، فليس أجمل من أن أهمس في أذن ابنتي وهي على فراشها أحبك مع طبع قبلة على جبينها، وما أجمل أن أودع ابني وهو ذاهب إلى الصلاة بقبلات ودعوات يسمعها مني، وعند عودته احتضنه ليس كل مرة ولكن لتكن ضمن جدولنا اليومي، فالأسرة المتمثلة في الأبوين هي المسؤولة عن بث روح المسؤولية واحترام القيم، وتعويد الأبناء على احترام الأنظمة الاجتماعية ومعايير السلوك فضلا عن المحافظة على حقوق الآخرين واستمرارية التواصل ونبذ السلوكيات الخاطئة لدى أبنائها، مثل التعصب الذي يعده البعض اتجاها نفسيا جامدا ومشحونا وانفعاليا، وكذلك ظواهر أخرى تعد محرمة دينيا، أو التقرب منها يعد عدوانا على حقوق الغير، فإشباع حاجات الأبناء من قبل الأبوين يخفف إلى حد ما من درجات التناقض في التربية، فضلا عن تحقيق التماسك الأسري واستقراره، حيث بالإمكان أن يسود جو من العاطفة الصادقة الخالية من التشاحن والخلافات.