10 نوفمبر 2025

تسجيل

سوريا التي كانت لم تعد

15 يوليو 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); تطرح بعض الدراسات التي تصدر عن مراكز "الثنك تانك" الأمريكية عددا من الفرضيات التي باتت بالفعل تحكم سلوك إدارة الرئيس أوباما حيال ليس فقط الأزمة المندلعة في سوريا وإنما ازاء مستقبل سوريا بشكل عام. وأهم ما تكشف عنه هذه الدراسات هو أن الرئيس أوباما –وعلى العكس مما يعلن– لم يكن جادا في المطالبة برحيل الأسد، وأنه لم يرغب في رحيل الأسد. أحدث هذه الدراسات هي تلك التي صدرت عن مؤسسة راند (التي تقوم بإجراء دراسات لصالح البنتاجون)، والدراسة موضع مقال اليوم حملت عنوان "خطة سلام من أجل سوريا ٢: خيارات لمستقبل الحكم" كانت قد وضعت من قبل ثلاثة باحثين بارزين في مؤسسة راند في شهر ديسمبر ٢٠١٥ وأدخلت عليها بعض التعديلات في شهر أبريل من العام الجاري، وهي بشكل عام تعكس رؤية الإدارة الأمريكية على أرض الواقع.يمكن الإشارة إلى ثلاث فرضيات تناولتها الدراسة لكنها تعكس بالفعل الإستراتيجية الأمريكية حيال سوريا. أولا، رحيل الأسد فكرة ليست عملية وربما غير مفيدة للولايات المتحدة. ثانيا، التراجع عن فكرة الدولة المدنية الديمقراطية الموحدة لصالح أفكار أخرى ألمح لها وزير الدفاع جون كبير تحت عنوان ما أسماه "الخطة ب" والتي تناولتها وسائل الإعلام في مطلع هذا العام. ثالثا، ترغب واشنطن في انتقال آمن يضمن الاستقرار حتى لو أفضى ذلك إلى خطة السلام المطروحة التي تشمل ست نقاط: أولا، إعطاء الأولوية للجهود التي تسعى لتثبت الهدنة على المستوى الوطني، مع الفصل بين الهدنة والمفاوضات للتوصل إلى انتقال سياسي شامل. ثانيا، إنعاش عملية سياسية تشمل كل الأطراف الإقليمية وعلى رأسها إيران والسعودية. ثالثا، تأجيل الاتفاق على القضية التي تثير الاستقطاب والخلاف وهي مستقبل بشار الأسد. رابعا، تأسيس آلية لتنفيذ وقف إطلاق النار تستند على ضامنين خارجيين يقومون بنشر قوات في مناطق صديقة لهم. خامسا، السماح لكل الجماعات المسلحة –باستثناء الجماعات الإرهابية المصنفة من قبل الأمم المتحدة– بالمشاركة في الهدنة. وهنا طبعا الحديث عن استثناء جبهة النصرة وتنظيم داعش. سادسا، تفويض السلطات المحلية لكل من النظام السوري والمعارضة والقوات الكردية كل في منطقته الخاصة. وهذا يسمح باستمرار الجهود العسكرية ضد داعش في المناطق التي يسيطر عليها. بتقديري فإن أهم ما جاء بالخطة هي أنها تسعى لتكريس الأمر الواقع، وهذا يعني أن سوريا الموحدة أصبحت في خبر كان والحديث عن التقسيم تحت عنوان اللامركزية هو ما تسعى إليه الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا ولم يعد مطلوبا من الداعمين الإقليميين سوى إعادة التموضع للقبول بهذه الصيغة.أحسب أن الدراسة تعكس بشكل كبير التفكير الإستراتيجي للإدارة الأمريكية التي دخلت في أشهرها الأخيرة، ويبدو أن موازين القوى السائدة في المنطقة لا تسمح بحل سيمكّن السوريين من تقرير مصيرهم بشكل ديمقراطي إذ لم يعد هذا مطلبا دوليا أو إقليميا، وربما هذا يفسر جزئيا استدارة الرئيس التركي أردوغان في المنطقة بشكل عام.لا يبدو أن الأمريكيين قد تعلموا الدرس، فلا تزال سياستهم رهن فهم استشراقي قاصر، لا يبدو أن الإدارات الأمريكية قد استوعبت أن الأخطر هو التطرف وأن الأخير هو نتاج سياسات وليس معتقدات، فالرئيس أوباما لم يكن ليفهم الرابط بين بقاء الأسد الذي شكل الصاعق الذي فجر الإرهاب في الإقليم والقليل المتبقي من ثقة بأن الولايات المتحدة ستصنع الفارق! قد تنجح مقاربة أوباما في إلحاق هزيمة بتنظيم داعش في سوريا والعراق، غير أن مقاربته عاجزة وقاصرة عن خلق الظروف التي تمنع التطرف.باختصار، مع أن تقرير مؤسسة راند يعكس موقف الإدارة على ارض الواقع، فإنه يتجاهل حقيقة أن هوّس أوباما بما أسماه بـ"تركة أوباما" المتمثلة بالاتفاق النووي مع إيران كان يهدف من ضمن ما يهدف إلى مضاعفة تأثير إيران لتحقيق ما يتداوله في أروقة مراكز القرار في واشنطن من تمكين شيعي أو توازن طائفي. بمعنى آخر لم تأت الواقعية السياسية التي تقود موقف أوباما من سوريا إلا نتيجة لتطورات إقليمية أسهمت إداراته في خلقها وعن وعي. والحال أن أوباما تصرف مع العرب بسوء نية ومارس التضليل وهو بذلك لا يختلف عن الروس أو نظام الأسد كثيرا. والضحية في نهاية الأمر هو الشعب السوري المهجر ووحدة أراضي سوريا!