28 أكتوبر 2025

تسجيل

في المحروسة انقسام

15 يوليو 2013

لم يعد بيت في المحروسة إلا ويكابد الانقسام الذي أضحى عنوانا للمرحلة بكل أسف بعد الوقائع التي شهدتها مؤخرا والتي أفضت إلى حالة تشظي لم تشهدها ربما على مدى تاريخها القديم والحديث وخطورة هذا الانقسام أنه بات مغزولا بالدم وإن لم يتحرك العقلاء والمحبون للمحروسة بصدق فقد ينفلت الزمام وتتحرك أصابع خفية لتدخلها في دوامات عنف غير محمودة العواقب وفقا للنموذج الجزائري أو السوري حسب تهديدات بعض الدوائر . والخطوة الأولى المطلوبة في هذا الاتجاه تتمثل في المسارعة إلى تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة وتلك في تقديري تتطلب شفافية وطنية عالية وقدرة على القفز على المصلحة الخاصة والضيقة الأفق والنظر بعين الاعتبار لمصلحة الوطن ومآلاته ولاشك أن مبادرة أو مبادرات عديدة طرحت خلال الأيام القليلة الماضية وفي مقدمتها مبادرة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب والذي بوسعه أن يجمع الأطراف كافة أو أغلبها في حوار جاد يشخص أوجاع الوطن ويحدد كيفية الخروج منها لبناء مصر الجديدة ولاشك أن مثل هذه الخطوة في حاجة إلى مقدمات أو بالأحرى مقومات لبناء الثقة حتى يمكن القفز على الجراح أو قل الدماء التي سفكت في المحروسة على مدى الأسبوعين المنصرمين بمشاركة كل الأطراف وبفعل عوامل تحريض من هذه الجهة أو تلك وهو ما يتناقض مع سلمية الخروج والتظاهر والتعبير عن الرأي والرؤية والمواقف. وسأكون صريحا في هذا الصدد فإن ثمة شعورا لدى المجموعات المؤيدة للدكتور محمد مرسي بعد أحداث الحرس الجمهوري بأنها تعرضت لما وصفته بالمذبحة وبالتالي فإن قيام السلطات المعنية خاصة المؤسسة العسكرية -المتهمة في هذه الواقعة – بالإعلان عن اعتبار ضحاياها شهداء مثلهم مثل شهداء ثورة يناير على أن يصرف معاش استثنائي لذويهم ثم إرسالهم في رحلات حج وعمرة قد يشكل بداية لما يطلق عليه "تطييب الخواطر" وهو ما يمهد لتصفية النفوس لدى هذه المجموعات، فأنا أدرك صعوبة الموقف ولكن الدماء لم تسفك في هذا الجانب فقط فقد سفكت في الجانب الآخر وبنفس الأعداد والأساليب تقريبا وهو ما يجعلني أشدد على تجنب هذه المنهجية في التعبير عن الموقف أو الرأي. إن اللجوء إلى العنف من أي طرف لا يتسق مع التكوين الديني والحضاري لشعب المحروسة خاصة في حالات الخلاف السياسي وهو ما ينبغي التركيز عليه في الخطاب الإعلامي السائد والذي بات يوظف في تجاه التحريض ضد الطرف الآخر وإن كنت أنحي باللائمة علي رموز إسلامية تعمل في مجال الدعوة لتبنيها لخطاب تحريضي واضح ضد الطرف الآخر وهنا يأتي دور الإعلام بكل وسائطه بحيث يتوقف القائمون عليه عن فتح نوافذه للمحرضين على العنف وسفك دماء الآخر وتلك خطوة من الأهمية بمكان ضمن السياق الذي ينبغي أن يقود إلى تهدئة الأوضاع في المحروسة ومن الضروري أن يتم التوقف عن كل من شأنه أن يدفع إلى انسداد الأفق وبوضوح ومن منطلق المؤيد للتطورات الأخيرة في مصر أدعو إلى وقف خطاب الكراهية والتحقير ضد جماعة الإخوان المسلمين والقوى الإسلامية المتحالفة معها في وسائط إعلام قومية وحزبية وخاصة فذلك يتعارض مع مبدأ عدم الإقصاء وعدم الإبعاد لأي طرف في العملية السياسية الجارية في المحروسة والذي شددت عليه خارطة المستقبل التي أقرتها أغلبية القوى السياسية المصرية بالتنسيق مع المؤسسة العسكرية. وفي المقابل فإن مؤيدي مرسي مطالبون بالكف عن شيطنة الأطراف المناهضين لهم خاصة الجيش الذي يعد في المنظور الوطني المصري خط أحمر لا ينبغي لأحد تجاوزه, فالملاحظ أن هذا الجيش وقياداته يتعرض لحملة تشويه شديدة الخطورة تدفع به إلى موقع العدو وهو ما تحاول دوائر إسلامية أن تركز عليه في طروحاتها للتعامل مع الأزمة ولم يتورع البعض عن الدعوة إلى الجهاد ضد هذا العدو وذلك يعني بوضوح استغلال الخطاب الديني الجهادي ضد المؤسسة العسكرية التي تشكل المرتكز الأساس للأمن القومي المصري. إن المعضلة التي تواجه المصريين الآن تكمن في الخطاب الديني المحرض ضد الآخر إلى حد أن يقوم البعض بالدعاء على خصمه السياسي والمفارقة أنك تجد آلاف المواطنين يجيبون من يقوم بالدعاء بقولهم آمين وقد يكون في الطرف الآخر شقيقا أو أبا أو عما أو خالا أو قريبا من أي مستوى. لا أود أن يبدو الحكم الانتقالي الجديد في المحروسة وكأنه منحاز لخيار الانتقام وتصفية الحسابات وهو ما يتجلى في اعتقال بعض قيادات جماعة الإخوان المسلمين والمتحالفين معها ومن المهم في هذا السياق أن تكون أي عملية اعتقال مستندة إلى أدلة حقيقية وموثقة وتطرح على الرأي العام فورا وأن تكون وفق المحددات القانونية والدستورية المتعارف عليها وذلك يدفعني في المقابل إلى المطالبة بوقف أي ممارسات تتعارض مع حقوق الإنسان ضد من يتم اعتقالهم فلا ينبغي أن يكون هناك ضحايا جدد للتعذيب وأظن أن العقيدة الجديدة لأجهزة الأمن المصرية تخلصت من هذه المنهجية البائسة. ثمة أزمة واضحة المعالم والقسمات في المحروسة بعد كل هذا الانقسام الذي طالني شخصيا فلدي ابنتان مؤيدتان لمرسي وتناقشاني بحدة في قناعاتي المؤيدة للمرحلة الجديدة ولكن بالإمكان القفز عليها بالتمسك بالإرادة الشعبية الحقيقية والتي عبرت عنها جماهير الثلاثين من يونيو وفي الوقت نفسه الأخذ في الحسبان تلك الجماهير التي ما زالت متشبثة بشرعية الدكتور محمد مرسي وقررت الإقامة الدائمة في ميدان رابعة العدوية بمدينة نصر شرق القاهرة وميدان نهضة مصر القريب من بيتي بالجيزة وبلورة قواسم مشتركة تقود المحروسة إلى مرحلة مغايرة تستعيد فيها روح ثورة يناير وأهدافها والتي جاءت ملايين الثلاثين من يونيو لتعيد إليها العافية وأظن أن ثمة خطوات في هذا الاتجاه يعمل على بلورتها عقلاء من الجانبين وتتسق مع خارطة المستقبل التي أخذت قسماتها تفرد أشرعتها بدون إقصاء أو إبعاد لأي طرف وطني. السطر الأخير: يارب هي المحروسة ذكرتها في كتابك الكريم كثيرا ورسولك صلى الله عليه وسلم امتدح جندها ورباطهم إلى يوم الدين فاحفظها من كل من يريد سوءا بها وامنح السكينة لمن يقيمون بها ويعبدونك يا الله.