11 سبتمبر 2025

تسجيل

الحب والإبداع

15 يونيو 2014

منذ أن كتبت المقالة التي تحاول أن تجد تعريفاً للحب، على كثرة ما تلقيت إعجابات بها، وأنا أحاول أن أجد تعريفاً للإبداع.. من وقتها وأنا أتساءل: هل يُمكن لنا التقاط لحظة الفنّ الحقيقي للناتج الأدبي وحصرها في معايير دقيقة وقواعد مُحددة كأي علم آخر؟! لا أعتقد أن من السهولة بمكان إخضاع الأوجه الأدبية المختلفة من الفنون لتلك المعايير. فالشعر على سبيل المثال لا الحصر، هو أولاً وأخيراً انعكاس لمكونات الأشياء وتجاربها داخل النفس البشرية واستخلاص عطرها المُقطّر ليفوح بالآخر مستجمعاً الزمان والمكان والتجربة الإنسانية. لأنه ببساطة مُثلى يتموضع على تلك النقطة الساكنة التي تصل منتهاها بمبتداها في دائرة الروح، فيدور ويتوالد مع الكيانات العديدة، ويتكاثر بين أيدي الشعراء الذين يغرفون من الأعماق ويطيّرون حمائم كلماتهم الى الأفق الأبعد ليرتقوا بالمتلقي تماماً كحالهم في التدرج الدقيق لصيرورة الشعر التاريخية، من الرومانتيكية إلى الابتعاد عن الذاتية، أي الخروج من القلب إلى العقل، ويُسميها بودلير «المخيلة الناصعة»، ثم إلى التخلص من الأغراض الشخصية، إلى وعاء ما فوق الشخصي أي الكل، ثم التجريد وتفجير اللغة الذي لا يتسنى سوى للقلّة من الشعراء. فإذا ما كان الحب هو ما يدور من صراع عميق داخل النفس وتلك المشاعر التي تنتاب المحب خلال تلك التجربة فإن الشعر هو الذي يُصوّرها بدقة متناهية منعكسة في عمل أدبي غاية في الروعة مستجمعاً عمق التجربة والصدق الخالص في تناول حقائق الأمور والتمكّن أولاً وأخيراً من أدوات الفن الكتابي. فالشعر أو الأدب عموما لا يكتب الوقائع بقدر ما يكتب انعكاسها في الذات والإتيان بها على غير احتمال، لذلك يلتقي الشعر مع الحب ككل القيم السامية، فهذا إبداع الروح وذاك إبداع ما بعد الروح، هذا أخضر حنون وذاك يحمل نعناعه أينما حلّ، هذا شاهق عالٍ وذاك يسير على صيحة مرتفعة، ونحن الشعراء نقف بين الاثنين كأطفال زوجين متخاصمين!