18 سبتمبر 2025
تسجيلأجواء الانتخابات التركية والتدخلات الغربية السافرة فيها والتي تتنافى كل التنافي مع مبادئ الديمقراطية تطرح أسئلة مهمة بخصوص معاني الديمقراطية ومدى صلاحيتها للتطبيق. إذا كانت الحياة الكريمة هي الهدف الأسمى المفترض لأي نظام سياسي على وجه هذه الأرض فالمفترض أيضا أن تكون هذه هي القاعدة لتحديد أي تلك النظم أفضل. واذا كانت ما تسمى الديمقراطية بظن أغلبية البشر هي أفضل نظام سياسي، فمن الإنصاف إجراء مقارنة بينها وبين أنظمة أخرى أقل شهرة لكنها ربما تكون أكثر نفعا في تحقيق قاعدة الحياة الكريمة، منها ما أسميه الانتخاب الطبيعي، أو العرف، وهذا مصطلح متفق عليه في العلوم السياسية. الديمقراطية لها توصيفات ومعايير كثيرة يهمنا منها هنا اثنان فقط، الأول أنها تقوم على نظام انتخاب وضعي أساسه الاختيار بين مجموعات وقوى مختلفة حتى تقود إحدى تلك المجموعات ذلك المجتمع، والثاني أن يكون هناك تداول للسلطة بين تلك المجموعات، منعا لاحتكاها. في المقابل، هناك نظام الانتخاب الطبيعي التلقائي أو ما يسمى بالعرف الذي يقوم على التراضي على شخصية أو مجموعة واحدة لقيادة المجتمع، ويمكن النظر إلى هذا النظام على أنه بديل أفضل لسياسة البشر. وربما تتبين ملامح كل من هذين النظامين من خلال مقارنة سريعة بين نموذجين لهما. ولنبدأ باستعراض نموذج النظام الأول ويمثل زيفه وفشله الولايات المتحدة. فبتطبيق المعيارين الأساسيين اللذين تقدم ذكرهما وهما الحياة الكريمة والتداول، نجد أن أيا منهما لا يتحقق هنا. فبالنظر إلى المجتمع الأمريكي ستجد أن به اختلالات عجيبة يفترض ألا تكون موجودة في نظام ديمقراطي مثالي. من ذلك أن ما يقرب من 50 مليون أمريكي، يعيشون تحت خط الفقر وكثير منهم باتوا مشردين بلا مأوى. وهؤلاء وغيرهم لا يتمتعون برعاية صحية من أي نوع. كما أن ما يقدر بنحو 80 بالمئة من القوى العاملة يعيشون بالكاد على رواتب أقل من 30 ألف دولار سنويا،، وهي رواتب لا تصل إلى الحد الأدنى للحياة الكريمة بالمعايير الغربية. أما النقطة الأخرى وهي مسألة تداول السلطة فقد أبطلها احتكار حزبين اثنين فقط لها في الجزء الأكبر من عمر الدولة الامريكية. فهل إذا احتكرتها جماعتان صارت جيدة؟ بالطبع لا. في المقابل يدحض النموذج العرفي الذي تمثله دولة مثل قطر كل الانتقادات والاتهامات التي يكيلها أرباب النظام الديمقراطي للنظام القبلي العرفي. وبنظرة سريعة على مستوى المعيشة في قطر تجد أنه ووفقا للبنك الدولي فإن تصنيف دولة قطر يأتي ضمن الدول الأعلى دخلاً في العالم، برغم كافة المتغيرات والتحديات التي واجهتها خلال السنوات الماضية. والنتيجة أنك لا تجد مواطنا قطريا محروما من الرعاية الصحية، مثلا، أو ينام مشردا في العراء كما هي الحال في أمريكا، هذا من ناحية الحياة الكريمة. أما من ناحية تداول السلطة فإن الاستقرار الحقيقي في السلطة الذي تتمتع به قطر يعد بعدا إيجابيا إذا ما قورن بالاستقرار الوهمي في السياسة الأمريكية. فصحيح أنه نظام واحد مستقر لكنه نظام يرضى عنه الشعب رضا كاملا. ولعل أبرز مثال يؤكد تفوق نظام الانتخاب الطبيعي على ما يسمى بالديمقراطية هو وقوف الشعب القطري وراء قيادته ونظامه خلال ما عرف بسنوات الحصار الذي فرضته بعض الدول على قطر ودام قرابة 3 سنوات بينما في الولايات المتحدة عبر الشعب الأمريكي مرارا عن رفضه لنظامه من خلال استغلاله أي فرصة لكسر النظام والقانون مثل ما يحدث عندما تنقطع الكهرباء على نطاق واسع، فيبدأ الناس بسرقة المحال التجارية وتخريبها.