14 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); على نحو لافت تعرّف دول الخليج مصادر التهديد بشكل مستقل (إن لم يكن مختلفا) عن إدارة الرئيس أوباما التي يبدو أن صبر العرب معها بدأ ينفد وبخاصة بعد أن تحولت الهواجس والشكوك العربية إزاء العلاقات الأمريكية الإيرانية إلى مادة دسمة يتناولها الإعلام الغربي بشكل متكرر، فلم يعد الجانب العربي يقتنع بتصريحات خجولة يطلقها أوباما ووزير خارجيته بين الفينة والأخرى حول التهديدات الإيرانية. بشكل عام لا تقبل دول الخليج أن تُخضع الولايات المتحدة التزاماتها الدفاعية والأمنية تجاه منظومة أمن الخليج لمعيار علاقات واشنطن المتطورة مع إيران، فالخلاف العربي الإيراني لا ينحصر في الملف النووي فقط وإنما في سياسة إيران القائمة على خلق أسباب عدم الاستقرار واستغلال التناقضات القائمة في بعض المجتمعات العربية لتوسيع نفوذها السلبي في المنطقة. بمعنى أن المشكلة تكمن في سلوك إيران بالدرجة الأولى وليس في طبيعة النظام الحاكم في طهران أو في حقها في الحصول على الطاقة النووية السلمية.قادة الخليج الذي تغيب بعضهم عن القمة (وفي ذلك ربما صفعة للرئيس الضعيف في واشنطن) يقاربون واشنطن بشكل مختلف، وهم يهدفون إلى ترسيخ واقع جديد – أو هكذا يفترض – تكون فيه دول الخليج أكثر استقلالية من ذي قبل فيما يتعلق بحماية مصالحها والدفاع عنها. وهناك بالفعل انطباع يتداوله بعض المثقفين في منطقتنا يفيد بأن صرامة دول الخليج في التعامل مع مصادر التهديد بمعزل عن موقف إدارة الرئيس أوباما سيفرض زخما تضطر فيه الولايات المتحدة اللحاق بدول الخليج، وإن قُدّر لهذا أن يترجم على أرض الواقع لفترة ممتدة عندئذ يمكن الحديث عن التوازن المفقود في علاقة العرب مع أمريكا. فالخليجيون يبحثون في القمة عن رفع مستوى العلاقات الاستراتيجية إلى مستوى أعلى بحيث يحصلون على ما يمسى بالردع الممتد (Extended Deterrence) وهو ما يعني التزام أمريكي مكتوب بتعهدها بالدفاع عن أمن الخليج من أي مصادر تهديد كما تُعرّفها الدول الخليجية على أن لا يخضع تعريف هذه التهديدات لمعيار الحفاظ على علاقة الولايات المتحدة بإيران. وبما أن دول الخليج لا تثق بالرئيس أوباما لأسباب باتت معروفة للقاصي والداني فإنه من المناسب اختبار التعهدات الأمريكية في الملف السوري، فأمير قطر الشيخ تميم أصر على أن يكون الملف السوري على أجندات البحث في قمة كامب ديفيد لأن ذلك يعكس قناعة خليجية بأمرين: أولا، لو تدخلت الولايات المتحدة بشكل إيجابي منذ بداية الثورة ولو لم تتساهل مع الدعم الإيراني لبشار الأسد لما نمت وتوسعت داعش في المنطقة. وثانيا، يريد العرب والخليجيون بشكل خاص أن يبرهن الرئيس أوباما بأنه ملتزم بتقليم أظافر إيران وتأثيرها السلبي في الإقليم ولا يوجد مكان أفضل لاختبار صدقية الموقف الأمريكي أكثر من سوريا. وبشكل عام، لم يعد الطرف الخليجي يثق بقدرة أوباما في إصدار الأحكام (Judgment) بخصوص ما يجري في المنطقة، فهو لغاية هذه اللحظة يبدو كمستشرق لا يفهم المنطقة لذلك تصرف بشكل خدم التطرف ونظام الأسد ولم يفهم أن نظام الأسد هو من أنتج التطرف وداعش من خلال إجرامه الممنهج ضد الشعب السوري.وقد التقط ديفيد اغناتيوس هذا الأمر عندما رصد بدقة التحول في المعادلات الميدانية التي جاءت نتيجة للتنسيق السعودي القطري التركي في الملف السوري، فالملك سلمان اقترب كثيرا من موقف قطر وتركيا ولم يعد يخضع علاقات بلاده مع هاتين الدولتين وفقا لمعيار رؤية السعودية في مصر. فانتصار الثوار في المعارك على مدار الشهرين المنصرمين لم يكن ليتحقق لولا التنسيق بين هذه الدول الثلاث. واللافت كما يشير ديفيد اغناتيوس بأن كلا من تركيا وقطر والسعودية تسعى إلى قلب المعادلات العسكرية ليس لحسم الصراع عسكريا وإنما لخلق ظروف الحل السياسي.وهنا يضيف ديفيد اغناتيوس بأن هذه الدول تجري اتصالات مع بعض العلويين من غير عائلة الأسد لإشراكهم في الحكومة الانتقالية، ولا غرابة إذن أن يحاول بشار الأسد أن يقضي على أي علوي يحاول التعامل إيجابيا مع هذا النهج الجديد حتى لا يكون هناك بديل له ولعائلته، فهو في معركته البائسة في البقاء يحاول أن يورط العلويين في حرب استنزاف لن تصمد فيها الطائفة طويلا لأسباب ديمغرافية، وربما ليس مصادفة أن يأمر الأسد بوضع الجنرال علي مملوك وهو رئيس مكتب الأمن القومي السوري تحت الإقامة الجبرية، والتصدع في الدائرة الضيقة للنظام بدأت تظهر للسطح وبخاصة بعد وفاة رستم غزالة في ظروف غامضة.صحيح أنه لا يمكن الوثوق بأوباما الذي لم يقدم إلا الوعود والتهديدات الفارغة، لكن في الوقت ذاته لا بد من الإشارة إلى أن الجانب الخليجي يتمكن من طرح موقفه بقوة على الطاولة وعلى الأرض، ومرة أخرى لن تثنيهم عن حماية مصالحهم التطمينات الأمريكية بشأن إيران التي سوف يكون تحت تصرفها أكثر من مئة مليار دولار بعد رفع الحصار وهو ما يعني تمويلا لتوسيع نفوذها، فحديث الإدارة عن إعادة فرض العقوبات بسرعة (Snapback) على إيران في قادم الأيام إن لم تلتزم لا يقنع العارفين بطبيعة السياسة الشرق أوسطية والتي يبدو أن أوباما سيخرج من البيت الأبيض بعد أقل من عامين دون فهم طلاسم هذا الإقليم.