14 سبتمبر 2025
تسجيلإن الحق سبحانه وتعالى قيض للمؤمن قوارب للنجاة من المهالك؛ فإن استجاب إليها المرء المسلم حملته إلى شاطئ الأمان، وكانت سببا في نجاته من الضياع والهلاك، فمعرفة الله تعالى وطاعته أول طريق السائرين في دروب الصالحين يبتغون الجنان عند رب العالمين، ويخشون لهيب النيران، وبداية الخطى على الحق المبين والطريق المستقيم والحصانة من كل سوء والأمان من كل زيغ، فالعبادة والطاعة والامتثال لأمر الله تعالى والسير على منهج النبي صلى الله عليه وسلم لهي قارب النجاة من الغرق في بحر الضلالات، وسبيل النجاة من الآفات والانحرافات، فقلوب العباد أوعية وتحتاج هذه الأوعية لمن يتقن أن يضع فيها ما يكون مكسباً لها، وهذا ما يسمى بفن كسب القلوب، فإن المسلم الحر الذي يتخلق بأخلاق الإسلام وآدابه يتجنب النقاش الطويل والجدل والمراء، حتى لا تسوء صدور إخوانه وتضيق قلوبهم، ومن أجل أن يكون الحوار في أفضل صوره الفعلية، فعلى المسلم أن يلتزم الحسنى من القول والمجادلة بالتي هي أحسن وأن يقول لعباد الله التي هي أحسن، لذلك تصبح إجادة فن كسب القلوب أكثر ضرورة، حتى نستطيع ان يتعلم الناس ونوجههم نحو الهدف المراد تحقيقه، فالقلب يكون صالحاً إذا كان منوراً بنور الله عز وجل ومكسوّاً بلباس التقوى والورع، فتظهر عليه حينئذ علامات الرقة والصلاح، فلا ترى صاحبه إلا رحيماً رقيقاً خاشعاً خاضعاً سباقاً للخير والفضل، تواقاً لكل بر ومعروف مشتاقاً للقاء الله سبحانه وتعالى، فالقلب ما هو إلا وعاء الأعمال يحملها وينطبع بآثارها؛ فيكون صلاحه وفساده بحسب صلاح الأعمال وفسادها، وبتقلب سلوك العبد وأخلاقه تتقلب ظواهر القلب وحالاته بين السلامة والمرض، والسعادة والشقاء، وبحسب موافقة الأعمال لشرع الله تعالى وكثرتها وقلتها وإخلاصها تكون رقته أو قسوته. فإن للحوار الهادف ثماره الطيبة إذا كان بالجدية والاهتمام بالحلول الناجحة للمشاكل، وتكون له قيمة لا يستهان بها، فهو يقوم بدور بنّاء في سبيل إعداد العقول للتفكير الهادئ في الثوابت الإيمانية والعقيدة الراسخة فيما يتأسس عليها من العمل والنشاط، للحد من المنكر والرذائل والإشادة بالمعروف والقيم الإنسانية الفاضلة، فإن من ثمرة الحوار هو الوصول إلى الحق، فمن كان طلبه الحق، وغرضه الحق، وصل إليه بأقرب الطرق، وألطفها، فهو الطريق الذي سلكه الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر من ربه يقول الله تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" النحل:125. فالسلوك الحسن في الدعوة وسيلة تعين على كسب وجمع القلوب حول المتحدث أو الناصح أو المربي أو الداعية، وهي إخلاص النية وحسن الصلة بالله تعالى فإنها أول الوسائل التي تساعد المتحدث على جمع وكسب قلوب الناس، وهي إخلاص نيته لله وتنقيتها من كل شوائب.. وحسن الصلة بالله عز وجل فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى إذا أحب عبداً دعا جبريل، فقال: إني أحب فلاناً فأحبَّه فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله تعالى يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبداً دعا جبريل فيقول: إني أبْغِض فلاناً فأبغضْه فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه فيبغضونه، ثم يوضع له البغضاء في الأرض" رواه مسلم، فحب الله للعبد يتبعه حب الناس، لذا.. فعليه أن يجيد فن الإصغاء، فلتكن منصتاً جيداً حتى تكون متحدثاً جيداً، فحسن الإنصات للناس وهم يتحدثون سلوكٌ يعطي انطباعاً للمتحدث بأنه محل الاهتمام، فيطمئن قلبه، ونقصد هنا الاستماع والإصغاء الحقيقي الذي يصاحبه التفكير والتدبير، فيما يقوله المتحدث، ولا تنسَ مقابلة المتحدث بالابتسامة الصافية الصادقة، فهي عنوان للحب والود بين الإخوة، وكثير ما يملك المتحدث قلوب إخوانه بابتسامة يرسلها لهم قبل ان يتكلم ولو بكلمة واحدة، فيمحو ويزيل كثيراً من الحواجز، بعكس الوجه العابس فهو يبنى ويرسخ الحواجز بين الناس، فإن تجنب أسلوب التحدي والتسعف في الحديث وإيقاع الخصم في الإحراج، يكسبك محبة الخصم ويكون على استعداد للإقتناع والعمل بالأصوب والأحوط، فإن كسْب القلوب مقدم على كسب المواقف، ويا حبذا لو يحسن العلماء والدعاة ذلك، ويعلموا أن العبرة ليست بإظهار قوة الحجة، وإنما العبرة بكسب القلوب، فالأخذ بآداب الحوار يجعل للحوار قيمته العلمية، وانعدامها يقلل من الفائدة المرجوة منه، فإن المحاور الذي يتأدب بأدب الحوار هو الذي يعمل على تحقيق المنفعة والاستفادة من حواره، أما الذي يُغلظ القول ويرفع الصوت وينفخ الأوداج، فإنه لا يخلف إلا غيظاً وحقداً، بل ينبغي عليه أن يكون معتدلاً هنياً ليناً منفذاً لشرع الله، مبيناً يُسْرَ الدين وسماحتَه.