16 سبتمبر 2025

تسجيل

كيف خرجت المحنة السورية من أيدي العرب؟

15 مايو 2013

عندما قامت ثورة تونس كانت تونسية وعندما اندلعت ثورة مصر كانت مصرية ثم جاء دور ليبيا فأصبح وضعها إقليميا بسبب اختلال توازن القوى بين شعب أعزل ونظام قذافي عائلي غريب معقد اختار القمع الأعمى إلى آخر لحظات احتضاره بعد اثنين وأربعين عاما من اللادولة فتحملت القوى العربية والإقليمية مسؤولياتها لإنقاذ المدنيين الأبرياء من السحق والمحق ثم جاء دور اليمن فظل وضعه خليجيا بكل المقاييس منذ توجيه المتظاهرين ومراقبة مجرى نهر الأحداث إلى عقد لقاءات قبلية لأن القبائل هي الأصل في اليمن مهما كانت النخب الحاكمة وصولا إلى ضمان خليجي لمخرج مشرف للرئيس علي عبدالله صالح وتغيير رأس الدولة بسلاسة ولطف دون خسائر جانبية ذات بال. أما الحالة السورية فيبدو أنها لن تبقى لا بين أيد عربية من دول الجوار الأعضاء في جامعة الدول العربية ولا بين أيد إقليمية في حجم إيران وتركيا. فلعبة الأمم هذه المرة هي التي ستفرض معادلاتها القاسية وقد شاءت الصدف منذ أيام قليلة أن التقيت بدبلوماسي روسي أعرفه حين كان يمثل دولته في الاتحاد الأوروبي فما كان منه إلا أن قال لي بلهجة الواثق حين تبادلنا أطراف الحديث عن الأوضاع السائدة: "أستطيع أن أجزم لك بأننا تنازلنا عن ليبيا مخطئين في حساباتنا ولكن لن نكرر ارتكاب خطأ ثان ونفرط في سوريا إنها قضية حيوية بالنسبة لمستقبل اتحاد الجمهوريات الروسية والأمريكان أدركوا هذه الحقيقة منذ حل جون كيري بالخارجية". هنا يجب قراءة كلام زميلي الروسي بعيون العارفين لنفهم أن ما يقصده هو النظام الأسدي الراهن في سوريا وليست سوريا كدولة تحتل ذلك الموقع الأساس في الشرق الأوسط فالتخلي الروسي غير المتوقع هو التخلي عن النظام الحالي وهو كلام يبدو منطقيا حتى من وجهة نظر الخصم الأمريكي الذي بدوره يعلن ويكرر الإعلان بأن واشنطن لن تتخلى عن الحليف الإسرائيلي. ومن هذا المنطلق نفسر اللقاء الذي جمع الأسبوع الماضي وزير خارجية أميركا جون كيري ونظيره الروسي سرغاي لافروف في موسكو (وهو اللقاء الرابع بين الرجلين منذ تولي كيري حفيبة الخارجية) حين ظهر للرأي العام العالمي بأن المؤتمر الصحفي الذي عقده الرجلان يوم الخميس 9 مايو كان بمثابة لعبة شطرنج سياسي فالوزير كيري بدأ كلامه متوجها للوزير لافروف محذرا (ليست في قاموسنا الدبلوماسي كلمة أخرى غير التحذير) محذرا إذن من بيع صواريخ روسية متطورة لسوريا ثم دار الحديث باتفاق الطرفين عن موعد المؤتمر الدولي حول الحالة السورية فحددا معا الموعد (أواخر مايو الجاري) والمكان (جينيف) أما عدم الاتفاق بين واشنطن وموسكو فهو حول من سيشارك وبأية صفة وأي وزن ستشارك أطراف أخرى لأنه من المؤكد أن روسيا تنوي إعطاء طهران دورا مهما وأن واشنطن تفضل أنقرة للعب دور أساسي. أما المحيط العربي لسوريا فهو بصراحة لدى العملاقين عنصر تعقيد المعضلة والزيغ بها (حسب افتتاحية واشنطن بوسط الخميس 9 مايو) عن الحل المنشود لتطرح على الطاولة كل ملابسات القضية الفلسطينية وارتباطها العضوي بالملف اللبناني ودور حزب الله في زعزعة التوازن الإقليمي مع العلم بأن السيد حسن نصر الله ألقى خطابا ناريا في حفل عيد ميلاد فضائية حزب الله (المنار) نفس يوم الخميس 9 مايو ليعلن عن التحالف الفعلي بين النظام السوري القائم وبين المقاومة في لبنان وفلسطين. وأطرف ما جاء على لسان السيد نصر الله هو حشره لمن سماهم بالتكفيريين من بين أعداء النظام السوري إلى جانب أمريكا وإسرائيل. وهذه القطيعة بين حزب الله الشيعي والإسلاميين الجهاديين السنة تبدو اليوم إستراتيجية من قبل المقاومة اللبنانية لأن المد السني الموصوف بالمتطرف أو المقاتل هو الذي يملأ ساحة المعركة في سوريا (على أيدي جبهة النصرة وهي أقوى الحركات الجهادية تنظيما ودربة على السلاح) ولابد أن تتوضح الصورة على الميدان السوري لترضي كلا من واشنطن وموسكو لأن كلا الطرفين يرفع لواء مقاومة ما يسميانه الحركات الإرهابية وهما يعنيان الإسلام السياسي المسلح فللولايات المتحدة نفس الأعداء الإسلاميين في أفغانستان وباكستان والعراق وفي سوريا اليوم وإلى مدى بعيد كما لروسيا نفس الأعداء في الشيشان والجمهوريات المسلمة التابعة قديما للاتحاد السوفييتي وخاصة في مناطق القوقاز المسلمة منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه (سنة 18 هجري قبل القيروان ومصر). إننا نعتقد أن المعضلة السورية لديها فرصة تاريخية في التدويل وهو تدويل ضروري أو هو أصبح ضروريا ولا مندوحة عنه وهنا وجه الاختلاف الكامل والجذري بين دول الربيع العربي الأخرى وسوريا. فسوريا هي باب المقاومة النسبية والباردة للعدو المشترك لكل العرب أي إسرائيل وبعض المواقع العسكرية السورية الحساسة قصفتها الطائرات الحربية الإسرائيلية الأسبوع الماضي لا لكون سوريا دولة عدوة لإسرائيل بل لأن بشار الأسد يستعد لتقديم مجموعة صواريخ بالستية لحزب الله وهو القرار الذي تعتبره الدولة العبرية موجها ضدها ومخلا بالتوازن الذي تفرضه إسرائيل منذ 1948 إلى اليوم في غفلة من العرب. نحن اليوم أمام صفحة جديدة من التعاطي الدولي مع الخطر السوري الداهم لأنه يبدو أن مقايضة إستراتيجية تمت بين كيري ولافروف تلتزم بمقتضاها موسكو بثني طهران عن امتلاك السلاح النووي وتلتزم واشنطن بالمقابل بالحفاظ على شكل من أشكال النظام الأسدي في دمشق. فسوريا هي الحجرة الأولى في لعبة الدومينو الخطيرة لأن الحجرة الثانية هي إيران والحجرة الثالثة العراق ثم الأحجار الأخرى لكل المنطقة فإذا ما سقط حجر من الأحجار انخرم أمن إقليمي وعالمي ليس اليوم من مصلحة الولايات المتحدة ولا روسيا ولا الصين وبالطبع ولا العرب أن ينهار على رؤوسنا جميعا!