19 سبتمبر 2025
تسجيلمن خطل الرأي وخطأ التفكير الاعتقاد بأن الإنسان يتأثر أكثر مما يؤثر بمن من حوله من الأقارب والأصدقاء والمعارف عموما، لذلك تنسب السلوكيات الفردية إلى المكتسب أو الموروث الاجتماعي، وأكاد أقول الشعبي، بينما تلعب إرادة الإنسان دوراً فاعلاً ومؤثراً على سلوكياته التلقائية التي يكتسبها من إرثة الثقافي وجيناته الوراثية، لتشكل شخصيته دون أن يقف مكتوف الأيدي أمام أي سلوك لا يرضى عنه، لأنه يتنافى مع قناعاته من ناحية ولأنه من ناحية أخرى ربما جلب له المضرة حين أراد المنفعة. لكن ما هو السلوك الحضاري أولا؟ هل هو الممارسة الحرة للتصرفات التي لا تسيء للآخرين، ولا تسيء للذوق العام، ولا تضر بالمجتمع، أم هي التقيد بمنظومة القواعد والانظمة والقوانين الرسمية التي تسنها الدولة من أجل حماية الفرد والجماعة، أم هو الرقابة الصارمة على الذات حتى لا ترتكب ما قد يخل بالمصلحة الخاصة والعامة، أم هو شامل لكل هذه العناوين، وما قد يتفرع عنها أو ما قد تفرزه أثناء الممارسة الفعلية لها من قيم ومثل تصبح مع الأيام قيمة مضافة كما يعبر الاقتصاديون تكتسب أهميتها بقدر تأثيرها على المجتمع من ناحية ضبط السلوك الفردي في إطار السلوك العام؟. إن السلوك الحضاري من المكتسبات التي يمكن ان تحققها الشعوب والأمم بقدر ما تحققه هذه الشعوب والأمم من وعي على المستوى العام، فلا شيء هنا يبدأ من الصفر، بل هو نتيجة لتراكمات تجربة إنسانية أفضت إلى ممارسات نسميها السلوك، الذي أخرج الإنسان من دائرة التوحش البدائي إلى فضاء الإنسانية الرحب، بما تتطلبه هذه الإنسانية من مشاركة الآخرين والتفاعل مع المجتمع والاندماج في مؤسسة بدأت بالقبيلة ولم تنته بالوطن، وفق معطيات العولمة والمشاركة الأممية الساعية لمزيد من التطور للحياة والإنسان، ومن خلال مؤسسات عالمية، تحاول دعم وتأصيل القيم المكتسبة لتحقيق المزيد من المنجزات الحضارية على مستوى العالم، وهي منجزات تفرز السلوك الحضاري الذي ينسجم مع هذه المنجزات، ويعبر عن حقيقة اتجاهاتها على المستويين اللآني والمستقبلي، وهذا ما يفسر حالة الاستنفار العام لدى المحافظين الذين يتصدون وبشراسة لكل ما هو مستقر في ضمير الأمة من قيم لا يريدون لها بديلاً، ولا عنها تحولاً، وهي نظرة تتعارض مع سنة التطور التي أرادها الخالق لخلقه، والتي يتبناها المصلحون التنويريون في كل عصر وعلى امتداد التاريخ. والسلوك الحضاري لا يمارس بمعزل عن واقع المجتمع، بل هو جزء منه، جزء يسهم في تطوره وتقدمه إلى مراحل أكثر وعياً برسالة الإنسان في الحياة، وأساليب ممارسته لهذه الحياة التي يراد منها الخير للإنسان والعالم، ولا شك أن السلوك الحضاري ينم عن حضارة الأمم الشعوب التي ترسَّخ في أبنائها هذا السلوك ليصبح ثقافة عامة، وجزءاً من ملامح الحياة فيها لا مجال للتخلي عنه، وأي محاولة لخرق هذا السلوك لابد ان تقابل بالاستهجان والرفض من قبل أفراد المجتمع، وربما خضع أصحابها للمساءلة القانونية بما يترتب عليها من جزاءات أو عقوبات، هي في نظر بعض الشعوب مبالغ فيها وهي الشعوب التي لا تمارس السلوك الحضاري الذي يرقى بالإنسان، ويفتح أمامه أبواب الأمل في عالم يسوده النظام، وتسيطر عليه الرغبة في نبذ كل سلوك ينافي الذوق العام أو يسيء للآخرين بأي شكل من أشكال الإساءة. بقي سؤال على كل واحد منا أن يطرحه على نفسه: ـ هل أمارس السلوك الحضاري المعبِّر عن فهم عميق لواجباتي الإنسانية والوطنية؟ إن كان الجواب نعم.. فهذا يعني الرضا عن الذات، وإن كان لا.. فلابد من وقفة محاسبة مع النفس لعلها تؤدي إلى اكتساب هذه القيمة اللإنسانية الحضارية، التي هي في حقيقتها ثقافة واعية لواجبات وحقوق الإنسان. [email protected]