16 سبتمبر 2025

تسجيل

لا تلقوا علينا دروسا في الديمقراطية!

15 أبريل 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); استشاط عدد من الباحثين الإيرانيين الذين التقيت بهم في مؤتمر قبل أقل من أسبوعين يتحدث عن التقارب العربي الإيراني استشاطوا غضبا على مداخلة لي عبرت فيها عن عدم موافقتي على حديث الإيرانيين عن "فجوة الديمقراطية" في العالم العربي في الوقت الذي يصطفون فيه مع نظام الأسد وشككت في الديقمراطية الإيرانية المزعومة واعتبرتها ضربا من حكم الملالي ولا تتصل لا من قريب ولا من بعيد بفكرة الديمقراطية كما هو الحال في الغرب.وبعد انتهاء الجلسة بحثوا عني ربما لإعطائي درسا عن إيران، فاستمعت لكل مهاتراتهم وأفكارهم التي لا تنطلي حتى على الأطفال، وفي السياق أصروا على أنه لا يوجد في المنطقة سوى ديمقراطية واحدة فقط وهي الديمقراطية الإيرانية وهذا يذكرنا دائما بكلام الإسرائيليين عن أن إسرائيل هي "الواحة الديمقراطية الوحيدة في صحراء الديكتاتوريات" وكأنها لا تحتل شعبا آخر ولم تتسبب في تحويل غالبية الشعب الفلسطيني إلى نازحين ولاجئين! وعلاوة على ذلك يؤكد هؤلاء الإيرانيون أن بلادهم من القوة بمكان ما دفع العالم على أخذهم على محمل الجد، وهالني إيمانهم الشديد بفكرة أن إيران قوة محترمة ينبغي على العرب التفاهم معها وفقا لرؤى إيران بالطبع! المهم في الأمر أن هذه النخب التي تأتي لمحاورة العرب لا تريد حوارا بقدر ما تريد أن نتفق مع إيران وفقا لأجنداتها الفارسية التي توظف كل أزمة في الإقليم لتعظيم مكاسبها القومية. ليست إيران وحدها من يقوم بذلك، فأكثر من ينادي بضرورة الحوار مع الآخر هو الطرف الإسرائيلي، ويفيد مجمل اللقاءات بين نخب عربية وأخرى إسرائيلية أن الأخيرة تتحدث عن السلام وبلادها تصنع الحرب، وربما أكثر ما يبعث على الغثيان أن تجد في هذه اللقاءات شخصيات معروفة بكراهتها الشديدة للفلسطينيين وتعتبرهم "إرهابيين".هناك خطران يتهددان منطقتنا العربية يتمثلان بالخطر الفارسي والخطر الصهيوني، وربما لا نبالغ عندما نقول إن خطر إيران لا يقل ضراوة عن الخطر الصهيوني لسببين: أولا، إيران دولة مسلمة وبالتالي لا ينظر إليها بنفس الطريقة التي ينظر بها إلى إسرائيل اليهودية، وهي بهذا المعنى أكثر قدرة على التسلل إلى المجتمعات العربية بحجة الدين وبذريعة التصدي للخطر الصهيوني. ثانيا، إيران لها ميليشيات تقاتل لتأمين مصالح إيران في حين أنه ليس لإسرائيل مثل هذه الميليشيات ومن السهل تجييش وتعبئة الرأي العام ضد إسرائيل وهذا على العكس من إيران. وبالتالي علينا كعرب أن نقع في هذا الفخ وكأن هناك صراعا صهيونيا فارسيا لأن الواقع يشير إلى أننا بين فكي كماشة إسرائيل وإيران.أحد الباحثين الإيرانيين حاول تقديم سياسة إيران بشكل علمي على اعتبار أن الأخيرة ترسم سياستها الخارجية بشكل يتناسب مع إحساسها بالتهديد الإسرائيلي، وهي بذلك لا تستهدف العرب ولا الخليج وإنما تحاول إيجاد عمق إستراتيجي للتصدي لإسرائيل. ووفقا لهذا الباحث على العرب ألا يشعروا بالحساسية مما تقوم به إيران لأن هناك سببا منطقيا لذلك وهو وجود الخطر الصهيوني الذي يستلزم ردا من إيران! غير أن ما يجري أن طهران تستهدف الشعوب العربية باسم العمق الإستراتيجي المطلوب للتصدي لإسرائيل. أبلغ رد على مثل هذا الكلام الذي لا يصمد أمام الواقع جاء على لسان أحد الإخوة السوريين عندما وجه حديثه للإيراني قائلا: "أخبرني كم قتل الإيرانيون من الإسرائيليين، فنحن لا نعرف اسم قتيل إسرائيلي على يد إيران لكن بإمكاني أن أخبرك آلافا من السوريين الذي قتلتهم إيران".أحسب أن مثل هؤلاء الباحثين لا يحملون موقفا مستقلا بعيدا عن صناعة التضليل التي تقوم بها إيران، فالعرب بشكل عام لا ينظرون إلى أقوال إيران بل إلى أفعالها، وهي أفعال في نهاية المطاف لا تخدم تطلعات الشعوب العربية بل تشتت انتباه العرب عما تقوم به إسرائيل. كما أنني أرى أن مقولات هؤلاء الباحثين وأمثالهم ما هي إلا إهانة لذكاء المواطن العربي! وعود على بدء، لنعترف أن موجة الديمقراطية الثالثة التي تحدث عنها صموئيل هنتغتون قد مرت على المنطقة مرور الكرام ولم تفض إلا إلى تعزيز أوصال الدولة التسلطية وبخاصة في المشرق العربي. ولم يعد الحديث عن الفجوة الديمقراطية يضيف شيئا للسجال وللنقاش العام المستشري في المنطقة منذ عقد ونيف. لكن والشيء بالشيء يذكر أعتقد أن إيران وعملاءها ليسوا مؤهلين أخلاقيا للحديث عن الديمقراطية وهم يصطفون في الموقف المضاد لتطلعات الشعب السوري في التحرر من نير حكم الأسد التسلطي والقمعي.