10 سبتمبر 2025

تسجيل

وهج الحرائق في المحروسة

15 أبريل 2013

ثمة من يهمه أن تظل المحروسة في حالة اشتعال لاتنطفئ حرائقها، فكلما يخفت لهب سرعان ما ينطلق لهب جديد يصب نيرانه التي تمتد إلى الأخضر قبل اليابس. فهل ثمة من يعاقبها لأن شعبها قرر أن يثور في الخامس والعشرين من يناير 2011؟ يقيني أن هذه الثورة لم تكن مطلوبة من قوى بعينها سواء بالداخل أو الخارج رغم أن مقدماتها وإشاراتها كانت متوهجة غير أنها فاجأت الجميع بما في ذلك نظام مبارك الذي ظن أنه بمأمن متكئا في ذلك على ما كان يظنه إسنادا إقليميا ودوليا إلى جانب شعوره الطاغي بامتلاكه القوة التي تحول دون ثورة الشعب ولحظة أن فرضت الثورة معادلاتها تحديدا في الحادي عشر من فبراير 2011 قررت القوى المناهضة أن تصوغ معادلتها الرامية لإجهاض الثورة فبدأت التقلبات والانقلابات وقُل المؤامرات إلى حد أن ثمة تيارا بات الآن لا يؤمن بالثورة ويعلن كفره بها لاسيَّما بعد أن تناءت المسافات بين مبادئها وأفكارها التي أعلنت في ميدان التحرير وغيره من ميادين المحروسة والواقع. فالحرية نسبية والتعبير عن الرأي منقوص والعدالة الاجتماعية غائية أو مغيبة والأمن منعدم والاستقرار قرر أن يشد رحاله وتفاقمت مكابدات الناس من ارتفاع غير مبرر في الأسعار خاصة الأساسية والدخول عاجزة عن تلبية الاحتياجات. بيد أن الخلاصة السائدة بعد أكثر من عامين على الثورة تقول إنها سرقت من شبابها وفتيانها وامتطى صهوة جوادها نفر لم يكونوا من فرسانها وإن شاركوا في بعض مراحلها. فأزاحوا من سكتهم من فجروها. طاردوهم. أبعدوهم عن مسارها وأخذوا يسعون إلى التمكين بدلا من التوافق والاستحواذ عوضا عن المشاركة. كل ذلك أطفأ وهج الثورة وأشعل نيران الغضب فانطلقت الملاسنات والحروب الإعلامية والسياسية وانتشر رجال كل قبيلة يمهدون الأرض لمعارك داحس والغبراء فسالت دماء وانتقلت أرواح إلى بارئها وترقبنا الرجل الذي منحناه أصواتنا في الانتخابات ليقود المسار وفق محددات مغايرة فهو قادم من رحم الشعب وعبر صناديق الاقتراع وحلمنا معه في أول أيامه لينقلنا إلى مصر جديدة وتهيأت النفوس لذلك غير أنه سرعان ما تبددت الأحلام فالرجل رغم إخلاصه لم يول وجهه نحو الناس وإنما نحو مشروع التمكين من مفاصل الدولة متخليا عن وعوده بالشراكة الوطنية والسعي لبناء الدولة الديمقراطية وليست الدولة الدينية التي لم يعرفها التاريخ الإسلامي فسعى إلى صياغة دستور دائم جديد بين عشية وضحاها وفق منطق المغالبة ونأى عن التوافق الوطني فجاءت مواده غير معبرة عن المجموع معبرة فقط عمن صنعوه وبدأ يخاصم القضاء ويعلن الحرب على الإعلام ويتململ من القوى السياسية المعارضة والتي كان ينتمي إليها قبل بضعة أشهر ورأينا سخريته منها خلال لقاء مع الجالية المصرية في قطر الشهر المنصرم. إن المحروسة لم تشهد على مدى تاريخها حالة تشظي مثلما تشهده منذ نوفمبر الماضي فبدت منقسمة بين من هو إسلامي وغير إسلامي في حين أن المحروسة بطبيعتها شعب متدين وأخذت قنوات تطلق على نفسها بأنها إسلامية توسع من الهوة بل وتتهم الآخرين بأنهم ملاحدة وشيوعيون وأحيانا يحدث نوع من التكفير الضمني لكل من يخالف المنتمين إلى الطبقة السياسية الجديدة وشهدت شوارع ومدن ومناطق معارك واشتباكات على خلفية هذا الانقسام وترملت نسوة وفقد أطفال أباءهم وأقعدت الإصابات نفرا كثيرا من شباب المحروسة. وصحب ذلك حالات احتقان اجتماعي تجلت مظاهرها في غياب التسامح وسرعة الدخول في جدل ثم اشتباك لفظي ثم اشتباك بالأيدي ثم بالمولوتوف والزجاجات الحارقة ثم بالخرطوش ثم بالرصاص الحي والحصيلة أن المحروسة أضحت زاخرة الآن بحالات من الكراهية المتبادلة التي بلغت ذروتها في حالة الاشتباك الاشتباك الطائفي التي شهدتها مدينة صغيرة اسمها الخصوص بمحافظة القليوبية القريبة من القاهرة تسبب فيها طفلان بعد أن قاما برسم الصليب المعكوف – شارة النازية - على جدران معهد ديني سرعان ما نقلت النقاش إلى معركة بالرصاص الحي يروح ضحيته مسلمون ومسيحيون وكأن ثمة من سعى إلى دفع الطفلين إلى القيام برسم الصليب وفي الوقت نفسه ثمة من كان يترقب إشعال اللهب الطائفي فمن أين جاء من يدافع عن هذا الفريق أو ذاك؟ ومن أين خرجت الأسلحة التي استخدمت في القتل والإصابة وعندما قررت الكاتدرائية المرقسية إقامة صلاة الجنازة على من اعتبرتهم شهداء من الأقباط من الذي فجر الموقف وأطلق الرصاص والمولوتوف والأحجار؟ من أين جاء أنصار كل فريق بكل هذه الأدوات والأسلحة التي ظلت تستخدم ليلة بكاملها فنتج عنها قتلى ومصابون كثر واحتقان ما زال سائدا ويتبادل الجميع الاتهامات بشأن مسبباته في حين أن الجميع مسؤول بداية من الرئيس الذي يترك الأمور لمنطق ردود الفعل وجماعة الإخوان المسلمون وحزبها الحرية والعدالة والتي لا تتحرك إلا ببطئ ووفق منظور ضيق لا يمتد إلى كل الوطن الذي تتعامل معه باعتبارها أنها فوقه وليست جزء منه وكذلك القوى السياسية التي أغرقت نفسها في طوفان محاربة النظام الحاكم فغابت عن المشهد الذي تحكمه قوى متطرفة من الجانبين وفي يقينى أن بيت العائلة الذي يضم الأزهر والكنيسة لا يمتلك الفعالية المطلوبة للتعاطي بكفاءة مع مثل هذه الأحداث الجسام التي تخصم من رصيد الوطن والمواطنة ويفتح الأبواب لكل الحالمين بإنهاكه في معارك داخلية حتى يتمددوا فيه. فهل يتحرك ساكنو المحروسة قبل أن تبتلع النيران أحلامهم وأشواقهم ويستعيدوا سكينتهم وعافيتهم عبر بلورة التوافق الوطني والتخلي عن الرغبة في الاستحواذ والهيمنة. فهي واحدة من الدول التي يصعب على فريق واحد أن يحكمها بمنأى عن الشراكة مع القوى والفصائل الأخرى. تلك هي مقاديرها وعلى الجميع أن يستوعب قوانينها. السطر الأخير من يطفئ أشواقي إلى عينيك بادري بإسعافي هو وجع أم غياب اغزلي رحلتي لفضاءاتك لا تغادري المدينة هي دونك موصدة الأبواب فكوني لأسئلتي مدارا ولعذاباتي جدارا