18 سبتمبر 2025
تسجيلتشكل السياسات الاستثمارية أحد أهم ركائز التنمية في مختلف بلدان العالم، فاتجاهات هذه السياسات ومرونة تطبيقها لها انعكاسات كبيرة على معدلات النمو وعلى تحسين مستويات المعيشة وتوفير فرص العمل. وفي دول مجلس التعاون تفاوتت اتجاهات الاستثمار بين دولة وأخرى، إلا أن زيادة التنسيق بين دول المجلس والإعلان عن إطلاق السوق الخليجية المشتركة في عام 2008 أسهم في تقريب هذه السياسات الاستثمارية والتي تتشابه إلى حد بعيد في الوقت الحاضر، مع وجود بعض التفاوتات حول المرونة وسرعة إنجاز المعاملات وتوفير متطلبات مرافق البنية الأساسية للمستثمرين. ونظرا لهذا التقارب الشديد فسوف نركز هنا على العناصر المشتركة للتوجهات الاستثمارية الخليجية والتي بحاجة لإعادة النظر للاستفادة من الفرص المتاحة للقدرات الاستثمارية لدى القطاع الخاص المحلي ولجذب المزيد من الاستثمارات الخارجية. وهنا بالذات سنجد أن هناك ضعفا في الانسجام بين الاستثمارات المحلية والخارجية، وهو ما يؤثر على مجمل الاستثمارات في دول المجلس، مما يتطلب إيجاد آليات لتطوير البنية التشريعية للاستثمار بحيث تتيح إفساح المجال أمام المستثمرين المحليين والأجانب توظيف المزيد من الأموال في الاقتصاد الخليجي والمتوقع أن يبلغ حجمه 1.4 ترليون دولار في العام الجاري 2012. وإذا ما أخذنا الاستثمارات الأجنبية، فإننا سنجد أن هناك العديد من القيود التشريعية التي لا تساعد على جذب رءوس الأموال للأسواق الخليجية، فالبورصات في دول المجلس على سبيل المثال تضع الكثير من القيود على الاستثمار الأجنبي، بل إن هذه القيود ما زالت تشمل مواطني دول المجلس، وبالأخص القيود المفروضة على ملكية المؤسسات المالية والبنوك. وتشكل هذه القيود أحد الأسباب في جمود أسواق المال الخليجية، فرأس المال سواء كان محليا أو أجنبيا لا يحبذ القيود، بل إن نمو مجتمع رأس المال قائم ومنذ البداية على حرية الحركة والانتقال بصورة مرنة لاستغلال فرص الاستثمار التي تتوافق وتوجهاته الاستثمارية. صحيح أن دول المجلس فتحت جزئيا الاستثمار في شركاتها المساهمة، بما في ذلك البنوك للاستثمار الأجنبي، إلا أن ذلك تم ضمن نسب لا تتجاوز %20 في معظم الحالات، في الوقت الذي لا تشكل هذه النسبة دافعا قويا للمستثمرين الأجانب لاعتبارات عديدة، أولها أن هذه النسبة تشكل عائقا نفسيا بسبب القيود التي لا يحبذها رأس المال بشكل عام، وثانيا لأنها نسبة متواضعة جدا، إذا ما قورنت بالقدرات الخاصة بإمكانية تدفق رءوس الأموال الخارجية. وفي مجالات الاستثمار الأخرى، كالصناعة والعقار والخدمات، فإن الأمر يعتبر أكثر تعقيدا، فقوانين الشركات في دول المجلس مضى عليها أعوام طويلة دون أن تطالها يد التطوير، وذلك رغم التغيرات الاقتصادية المحلية والعالمية السريعة. أما رأس المال الخليجي والذي عادة ما يطالب بالحماية ويعتبر سببا رئيسا في القيود المفروضة على الاستثمارات الأجنبية، فإنه يحجم بدوره عن الاستثمار في أسواقه الداخلية، وذلك فيما عدا قطاعاته التقليدية، كالتجارة والعقار بصورة أساسية، في الوقت الذي تعتبر فيه استثماراته في قطاعات الصناعة وأسواق المال والخدمات والتقنيات الحديثة متواضعة جدا، مقارنة بالقدرات الاستثمارية التي يملكها. لقد أضر هذا التناقض كثيرا بمجالات الاستثمار، ففي الوقت الذي تعافت فيه أسواق المال العالمية من معظم تداعيات الأزمة المالية وعادت مستويات البورصات العالمية ومعدلات التداول فيها إلى فترة ما قبل الأزمة، فإن البورصات الخليجية ما زالت تعاني بسبب إحجام رءوس الأموال الخليجية عن التداول في الوقت الذي لا تتشجع فيه رءوس الأموال الأجنبية للدخول في أسواق المال الخليجية لعدم قناعتها بالقيود المفروضة. والنتيجة فقدان الاقتصادات الخليجية لاستثمارات مهمة يمكن أن تساهم في نمو هذه الاقتصادات من جهة وتطوير أسواق المال الخليجية من جهة أخرى. لذلك، فإن استمرار هذا التناقض بين إحجام رءوس الأموال المحلية المطالبة بالحماية وتردد رءوس الأموال الخارجية التي لا تحبذ العمل في ظل القيود أمر يفوت الكثير من الفرص المرتبطة بجذب الاستثمارات الأجنبية والتي لا بد منها لدفع عملية التنمية في كافة بلدان العالم. من هنا لا بد أن تعمل المؤسسات الخليجية المعنية بالتنمية إلى إيجاد حلول سريعة لهذه المعوقات، وذلك من خلال تشجيع الاستثمارات المحلية وإقناعها بالعمل في بيئة المنافسة العادلة، وفي الوقت نفسه تطوير الأنظمة والتشريعات، وبالأخص قانون الشركات لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية وتخفيف القيود على الاستثمار الأجنبي في البورصات الخليجية، إذ إن الهدف ليس في عملية الجذب فحسب، وإنما الاستفادة من التقنيات الحديثة والخبرات التسويقية العالمية التي ترافق تدفق الاستثمارات الأجنبية في معظم الأحيان.