04 نوفمبر 2025
تسجيلتدرك الأمهات والآباء ان مهمة تربية الأطفال وتنشئتهم تكاد تكون المهمة الأكثر خطورة وصعوبة على الاطلاق، فمن بين المهام الأخرى التي يقوم بها الناس في مجتمعاتنا الحديثة المتميزة بتعدد المهام وتعقدها، تبرز مهمة تربية الأطفال والتي تهدف بالأساس إلى تشكيل كيان الطفل النفسي والروحي بما يتناسب مع القيم المجتمعية العليا وبما يلبي الطموحات المستقبلية المتوقعة من هذا الطفل، ومع تأثر الطفل ككائن غض وحساس بأي تأثيرات سلبية كانت أو إيجابية تتعقد مهمة التربية وتزداد صعوبة. وفي مجتمعاتنا التقليدية في الماضي في قطر وبقية الدول العربية حيث كانت الجدات والأجداد والعمات والأعمام في الأسر الممتدة التي كانت تعيش في منزل واحد، يساهم كل منهم في تربية الأطفال وتنمية الوجدان والوازع الديني لديهم، ومن خلال منظومة متكاملة من المخرجات الثقافية الأصيلة بهذه المجتمعات مثل الحكايات والأغاني والألعاب الشعبية، التي كان لها دور تربوي كبير ومؤثر، هذا بالاضافة لدور المطوع والمسجد والذي يسهم في تربية هؤلاء الأطفال والتزامهم بقيم المجتمع الأخلاقية والدينية. ولم يكن مطلوباً من الشاب بعد نشأته أكثر من أن يكون رجلاً جلداً صلباً قادراً على العمل بمهنة والده (وهي مهنة الغوص، المهنة الأساسية في قطر ودول الخليج الأخرى)، وكان الإعداد لهذه المهنة يتم منذ الطفولة المبكرة للصبي حيث التعاون هو المبدأ السائد بين أفراد المجتمع. وكذلك تُربى الفتاة وتؤهل لتكون زوجة وأماً صالحة حافظة لبيتها ولغياب زوجها لأشهر طويلة في الغوص، كما يتم إعداد الفتاة لتكون ماهرة في الطبخ وأعمال يدوية أخرى. أما التربية والتنشئة في العصر الحديث فتتطلب بالاضافة لالتزام الشاب والفتاة بالقيم الأخلاقية والدينية العليا للمجتمع أن يتمتع بالطموح والمنافسة للتفوق على أقرانه والتميز بالقدرة الكبيرة على التعلم والإحساس بالتفرد. إلا أن التربية والتنشئة في زمننا هذا باتت أكثر صعوبة بكثير فالأسر أصبحت نووية الطابع حيث لا مكان للجدات والأجداد ودورهم في التربية المقرونة بالحكمة والمحبة والصبر، والأمهات أقل تفرغاً وأكثر طموحاً مما يجعل مهمة التربية تأخذ حيزاً أصغر من المطلوب في حياة الأمهات والآباء ويأتي دور الخادمات والمربيات كعنصر دخيل على تربية أطفالنا وما لهن من تأثيرات غالباً ما تكون سلبية. كما يتأثر الأطفال والناشئة بمؤثرات شتى تشدهم وتسيطر عليهم وتؤثر على سلوكياتهم مثل وسائل التواصل الحديثة والأصدقاء من حولهم الذين أصبح انتقاؤهم واختيارهم أكثر صعوبة من قبل. لذا فالعائلات التي تنجح في تربية أطفالها وتنشئتهم، رغم أن مفهوم النجاح مفهوم نسبي ومطاطي في آن واحد، هذه العائلات التي تتمكن من مساعدة أطفالها في اجتياز مشاكل الطفولة ومصاعب المراهقة ومتاعب الشباب في رأيي أنها حققت إنجازا لا يضاهيه أي إنجاز آخر مثل الارتقاء في السلم الوظيفي أو تكديس الأموال والثروات.