31 أكتوبر 2025
تسجيل"الجيش المصري سوف يصطدم مع الإخوان، وواشنطن أخطأت كثيرا بعدم احترامها مبارك وثورة 25 يناير من الثورات التي تجلب الخراب"، تلك كانت خلاصة المحاضرة التي ألقاها هنري كيسنجر مستشار الأمن القومي ووزير خارجية أمريكا في سبعينات القرن الماضي، خلال المؤتمر السنوي لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في نيويورك الذي عقد مؤخرا. فقد قال كيسنجر إن الجيش والإخوان هما المستفيدان الوحيدان من ثورة يناير، متوقعا أن تحدث مواجهة قريبة بينهما، وأن تكون نتيجة هذا الصراع في صالح جماعة الإخوان، متسائلا عن موقف الولايات المتحدة حينها وقدرتها على فرض شروطها. ونحن بدورنا نتساءل عن المؤشرات التي استند إليها كيسنجر في تحليله الذي انتهى إلى هذه النتيجة: هل هناك بالفعل مؤشرات واقعية تشير إلى إمكانية صدام محتمل بين الجيش والإخوان؟ دعونا نبدأ بالأخبار التي تتحدث عن قيام بعض المواطنين بعمل توكيلات لقيادة الجيش، في نفس الوقت الذي تطالب فيه قوى المعارضة الجيش بتولي مسؤولية إدارة الوطن في هذه المرحلة الحرجة، بعد أن ثبت عدم قدرة الرئيس المنتخب على القيام بالمهمة من وجهة نظرهم. ويتزامن ذلك مع قيام وسائل الإعلام بتضخيم تلك الرغبة ومحاولة الإيحاء بأنها رغبة شعبية عارمة، حتى أن أحد الصحفيين كتب يقول: إن السواد الأعظم من المصريين لديهم اقتناع كامل بأن الجيش المصري لن يترك مصر تسقط إلى الهاوية وأنه سيتحرك في الوقت المناسب". وفي المقابل يأتي رد قادة الجيش على هذه الدعوات، بأنهم خرجوا من العملية السياسية وأن مهمتهم الرئيسية تتمثل في حماية الوطن من أي عدوان خارجي أو داخلي والحفاظ على الدولة المصرية من السقوط. فضلا عن رفضهم الاجتماع بقيادات المعارضة بشكل منفرد على اعتبار أن ذلك يخالف طبيعة مهامهم كما أنه يعتبر تعديا على سلطة القائد الأعلى للقوات المسلحة وهو رئيس الجمهورية. ولا نخفي سرا إذا قلنا إن المعارضة العلمانية تبذل جهودا مضنية، ليس فقط الآن بل منذ نجاح الثورة، من أجل دفع الجيش إلى الصدام مع التيار الإسلامي خاصة مع جماعة الإخوان المسلمين من أجل التخلص منها، في محاولة لاستنساخ التجربة الجزائرية حينما تدخل الجيش هناك في بداية تسعينيات القرن الماضي لوقف انتخابات البرلمان بعد الفوز الكبير الذي حققه التيار الإسلامي، وهو ما أدى إلى دخول البلاد في صراع دام راح ضحيته عشرات الآلاف من الجزائريين. وتأتي هذه المحاولات من جانب المعارضة بعد أن فشلت في تحقيق هذا الهدف بكل الطرق الديمقراطية وغير الديمقراطية. فقد فشلت في تحقيق نتائج جيدة أمام الإخوان في كل انتخابات جرت، كما لم يستطيعوا إقصاء الجماعة من الحكم من خلال نشر الفوضى والعنف في الشارع. لكن من المؤكد أن كل هذه المحاولات ستذهب أدراج الرياح ولن تحقق أهدافها كما حدث من قبل، وذلك لعدة أسباب: أهمها أن طرفي الصراع المحتملين، الجيش والإخوان، لهما مصلحة في التحالف أكبر بكثير من الصراع والصدام. فقادة الجيش يعلمون جيدا أن أي صدام مع الإخوان معناه انهيار الدولة المصرية، لأن القوة السياسية والشعبية للإخوان أصبحت أكبر من مواجهتها بالقوة المسلحة، فضلا عن الشرعية القانونية والسياسية التي أصبح يتمتع بها رئيس الجمهورية الذي أتى بانتخابات حرة نزيهة أشرف عليها الجيش نفسه. وأية محاولة لإقصائه تعني الصدام مع هذه الشرعية ومن منحها له. وحتى في حالة القدرة على إقصاء الرئيس، فإن قادة الجيش يعلمون جيدا أنهم لا يستطيعون حكم البلاد بشكل مباشر، فالظروف الداخلية والخارجية لا تسمح بذلك في ظل ثورة شعبية قامت ضد حكم العسكر وفي ظل رفض عالمي للحكومات العسكرية بشكل عام. كما أن قادة الجيش يعلمون أيضا أنهم لا يستطيعون الحكم من خلال الأحزاب العلمانية كما كان الأمر قبل الثورة، فتلك الأحزاب التي تنضوي تحت مسمى جبهة الإنقاذ لا تمثل طيفا سياسيا واحدا يمكن الاعتماد عليه، فهي تعاني من حالة تشظي واضحة، فضلا عن تدني شعبيتها بشكل غير مسبوق بسبب استخدامها للعنف في صراعها السياسي مع الإخوان والرئاسة. يضاف إلى ذلك أن ظروف الاقتصاد المصري الذي يعاني من مشاكل كثيرة، لا تسمح بالتفكير في هذا الصدام، فوصول الجيش للحكم أو حتى قيامه بالحكم عبر أحزاب المعارضة، يعني قيامه بتحمل أعباء اجتياز الأزمة الاقتصادية الخانقة، وهو أمر لا تستطيع المؤسسة العسكرية القيام به، كما أن دول الغرب الظهير المهم لها طوال العقود الماضية لم تعد تستطيع تقديم مساعدات حقيقية للقضاء على هذه الأزمة في ظل أزمتها الاقتصادية التي تعاني منها. فالولايات المتحدة تعاني من مشكلات اقتصادية كبير وهناك احتمالات لإعلان إفلاس الحكومة الأمريكية، وهو ما يعني أنها غير قادرة على تقديم المزيد من المساعدات الاقتصادية. خلاصة القول أن حديث كيسنجر عن صدام متوقع بين الجيش والإخوان هو انعكاس لحديث المعارضة العلمانية المصرية التي تحلم بهذا الصدام، لكن كل مؤشرات الواقع تسير في عكس هذه الأحلام وتؤكد على أن الجيش والإخوان ليس أمامهم سوى التحالف أو الاتفاق في أقل الأحوال للخروج بالبلاد من سلسلة الأزمات التي تعاني منها.