10 سبتمبر 2025

تسجيل

فرحة القراءة وآلامها

15 فبراير 2024

فرحة قراءة الكتب رافقتني طوال حياتي. شهدت أياما جميلة في سن الصبا والشباب. كانت الأسعار بسيطة جدا، وكانت هناك سلاسل من الكتب يتراوح سعرها بين قرشين وخمسة وعشرين قرشا. مع الزمن ارتفعت أسعار الكتب ووصلت إلى درجة كبيرة مرعبة حقا، إلا أن كثيرا من الكتب تصل إليّ هدايا من أصحابها أو من ناشريها لأني كثيرا ما أكتب عن الجميل منها. كانت ولا زالت حياتي منقسمة بين الكتب الفكرية وبين الإبداع بأشكاله المختلفة، من قصة قصيرة إلى رواية إلى شعر، وقليل من المسرح الآن فنادرا ما يتم نشر مسرحيات على عكس ما كان لدينا يوما سلسلة للمسرح العالمي وأخرى للمسرح العربي. كنت دائما مؤمنا بأن الكتب الفكرية تضعني في قلب العالم قديمه وجديده، بينما الإبداع يجعلني أعرف أين أضع قدمي محاولا تجاوز المعتاد في كتابة القصة والرواية شكلا وموضوعا. في الحالتين كانت الفرحة تحلق حولي وأنا اقرأ أو أكتب. منذ سنوات قريبة صارت قراءاتي أكثر في الكتب الفكرية، وساهمت في الكتابة فيها بكثير من المقالات وبعض الكتب. عشرات الكتب قرأتها عن الخروج من الأزمات السياسية والاقتصادية في مصر، لكن للأسف كأن هذه الكتب كُتبت لبلد آخر. نحن نعيش في أزمة اقتصادية كبيرة تدهورت فيها قيمة الجنيه أو العملة المصرية خلال العشر سنين الماضية تدهورا أسرع من أيّ تدهور في العصور السابقة. مقالات وكتب كثيرة تحدثت عن طرق للخروج من الأزمة، لكن لا أحد ممن يقودون البلاد يهتم بما يُكتب أو يُقال. صارت القراءة تضيف لي آلاما على آلام الحياة. لم تعد لها بهجة السنوات السابقة لأن السؤال الذي يقفز، كيف يوجد في البلاد كل هذه الأسماء من المفكرين ولا يهتم أحد من النظام الحاكم بما يكتبون. أي نظام سياسي يأخذ قيمته من العمل لمصلحة الوطن التي هي ليست حكرا على فكر أحد. اتسعت مساحة الفقر في البلاد، حتى أن كثيرا جدا، إن لم يكن كل من يمثلون الطبقة الوسطى، قد انحدروا إلى الطبقة الفقيرة. الحديث طويل لن أزيد فيه، فما أكثر من كتبوا عن ذلك ولا يزالون يكتبون. سؤال كيف يوجد في البلاد كل هذه الأسماء ولا يهتم أحد بما تكتب فتتغير الأحوال، يجعل القراءة مؤلمة. صحيح أنني اتخلص من الألم بالكتابة أيضا، لكن لا تنتهي الآلام لأنه لا يبدو في الأفق القريب حلولا للأزمة. ليست هناك بوادر بسيطة لحلها تنعكس على الأسواق. قيل مثلا انه مع ارتفاع سعر الفائدة الذي حدث في البنوك انخفض سعر الدولار في السوق السوداء من سبعين جنيها إلى أربعين. حدث ذلك فعلا لعدة أيام فقط، لكنه عاد ليتجاوز الستين جنيها كأنه لا شئ حدث أو يحدث. ظلت الأسعار كما هي في ارتفاعها، لأن التاجر يبيع ما اشتراه بالسعر السابق للدولار، ولا يمكنه التخفيض إلا إذا باع ما اشتراه من قبل.عذر مقبول شكلا لكن موضوعا فحين يرتفع سعر الدولار يرفع التجار في اللحظة نفسها أسعار كل السلع التي اشتروها بالسعر الأرخص السابق. لن اتحدث عن حلول هنا فما أكثر ما كُتب فيها، والتي تتلخص كلها في أن من مشى في طريق انتهى به إلى حفرة، فعليه أن يغير الطريق كله. أن ينسف كل شعارات طريقه القديم. وفي النهاية فطموحي بسيط جدا وهو أن لا أتذكر مما اقرأ من مقالات وكتب فكرية، ما حولي من أخطاء فعلها بشر، لا يحيدون عنها فتصبح خطايا تحل معها اللعنة على البلاد. أيّ بلاد.