30 أكتوبر 2025

تسجيل

لماذا نسمي نضال الشعوب في سبيل حقوقها عنفا وإرهابا ؟!

15 فبراير 2015

منذ فترة قال أحد الكتاب في نقده لقضية العنف والإرهاب: في المجتمعات العربية من الظواهر الكئيبة والمذمومة ما لا يعد ولا يحصى، شأنها في ذلك شأن معظم المجتمعات العالمثالية. إلا أن ما يبعث على القلق وينذر بتداعيات كارثية هو ظاهرة انجرافها بوتيرة متسارعة وبصورة غير مسبوقة في كل تاريخها المعاصر نحو تبني العنف والموت والكراهية ثقافة لا تعلوها أي ثقافة".والحقيقة أنني تفاجأت بهذا الطرح من هذا الكاتب عندما خص ثقافة العنف والتطرف والكراهية بالعرب وحدهم دون غيرهم من خلق الله تعالى في هذا الكوكب، فلّم أصدق في البداية هذا التخصيص، فأعدت قراءة مقالته مرة أخرى لعلني تجاوزت بعض فقرات المقال، أو لم أتمعن مقصده في عمومه، حيث إن مسألة التطرف وثقافة العنف والإرهاب قضية الساعة في وقتنا الراهن، وفيها الكثير من الالتباسات والإسقاطات التي تحمل الكثير من المفاهيم الملتبسة في أحايين كثيرة، لكنني للأسف وجدت أن هذا الكاتب ثابت على فكرته من أن ثقافة العنف والإرهاب ملتصقة بالعرب دون بقية الأمم الأخرى. والواقع أن هذا الطرح يخالف الحقائق ويتجاوز الوقائع عبر الصيرورة التاريخية التي تكشف وتبرز أن العنف والتطرف والإرهاب والكراهية مارسته شعوب كثيرة وصاغته فلسفات عديدة وبرره فلاسفة ومفكرون وكتّاب كبار، ولا تزال أفكارها تعشش في جماعات كثيرة!.وكان بودي أن يكون هذا الكاتب عادلاً ومنصفاً بالنسبة للمجتمعات العربية التي خصها وحدها بثقافة العنف والتطرف، ولم يفرق بين الإرهاب الأعمى الذي تمارسه بعض الجماعات السياسية وبين نضال المناضلين الذين يسعون لنيل استقلالهم والدفاع عن حقهم المشروع الذي أقرته الشرائع السماوية والقوانين الوضعية مثل حق الشعب الفلسطيني وهذا الحق للأسف تصنفه بعض الدول بالعنف والإرهاب، وهذا تجني لا يستطيع أحد أن ينكره. فلماذا هذا التخصيص وعدم التفريق بين هذا وذاك؟ أيضاً الشعب العراقي احتلته قوى أجنبية منذ أكثر من أربعة أعوام، ومن حق هذا الشعب الدفاع عن أرضه وعرضه في الحرية والاستقلال مع رفضنا للممارسات الأخرى التي تقوم بها بعض الجماعات في قتل المدنيين وخطف الأبرياء وترويعهم والدعوة للفتن الطائفية، وقد اعترف الرئيس بوش بحق الشعب العراقي في النضال من أجل الاستقلال، وفال فيما معناه لو كنت مكانهم لسعيت لهذا الأمر.. فلماذا هذا التعميم في وصف كل مقاومة أو كل سعي بكل الطرق الممكنة بما فيها القتال لنيل الحرية بثقافة العنف؟!.ويعرف المنصفون أن ثقافة العنف صناعة إسرائيلية مسجلة منذ عقود، وقد مارست العنف بأبشع وأعنف ما عرفه التاريخ المعاصر لطرد شعب بأكمله، من أرضه وهو الشعب العربي الفلسطيني، وهذه الثقافة لم تمارسها جماعات هي أقرب إلى الأسطورة كأبو مصعب الزرقاوي في العراق قبل اغتياله، وإنما مارسه ساسة كبار في تاريخ إسرائيل المعاصر كمناحيم بيجن، وشامير وتوليا ـ كما نعرف جميعاً ـ أرفع المناصب وأخطرها في تاريخ هذا الكيان الغاصب.. فلماذا لا نعدل في أحكامنا وفي كتاباتنا ونحدد ما هو عنف أعمى، ونضال تكفله القوانين والشرائع.فإسرائيل منذ احتلالها لأراضي فلسطين في 1948 م، مارست الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ضد أهل الأرض الأصليين، شتى أصناف الرعب والإرهاب، التي لا يختلف اثنان على أنها كذلك، فقامت بطرد الفلسطينيين من منازلهم ودمرتها على رؤوسهم وطاردتهم ونفذت فيهم عمليات القتل والاغتيال داخل وخارج وطنهم، وصادرت الأراضي وسممت المياه ومارست قواتها كل أعمال القمع والعنف ضد المواطنين العزل، من تكسير للأذرع، وتهشيم للأضلع على مرأى ومسمع من عيون وآذان العالم، ولم يتوقف الإرهاب الإسرائيلي عند هذا الحد، بل تعداه إلى الأضرار بالمقدسات والشروع في حرقها وتدميرها وطمس معالمها، كما حصل للأقصى الشريف أكثر من مرة، ناهيك عن أعمال القتل والتدمير التي طالت أراضي عربية أخرى في لبنان والجولان السورية المحتلة، تلك الأعمال الإرهابية مورست بأمر وتوجيه من أعلى سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحجة الأمن الإسرائيلي، أليست هذه الأفعال الفظيعة تمثل قمة ثقافة العنف والإرهاب؟وليس أقوى داعم للإرهاب وثقافة العنف مثل تجاهل أسبابه الكامنة والموضوعية لقيامه وانتشاره في المجتمعات الحديثة، خاصة في عصر الثورة المعلوماتية والعولمة في جانبها السلبي، فإن التطرف والإرهاب سوف يعشش ويقتات من هذه السلبيات التي تزداد بازدياد أنظمته العالمية الجائزة والمجحفة في تعاملها الاقتصادي وفق النظرية الدار ونية البقاء للأقوى " بدل البقاء للأصلح!.أيضاً من السلبيات التي تسهم في انتعاش ثقافة العنف الازدواجية والمعايير في السياسة الدولية، والكيل بمكيالين عند التعاطي معها، والتي أصبحت ظاهرة تؤرق العالم، والشعور بالظلم إزاء بعض القضايا التي باتت تستعصي على الهضم والتقبل، مثل معاناة الشعبين والفلسطيني العراقي، والكوارث الإنسانية التي يلاقيها هذان الشعبان من جراء الاحتلال وتوابعهما. فالتعاطي بالازدواجية في الكثير من القضايا، أثمر الكثير من الكراهية غير المبررة في بعض الأحيان، ومنها الإرهاب المرفوض الذي تعاني منه الإنسانية، لذلك فإن أفضل الخطوات لوقف هذا الإرهاب واستئصاله، هو البحث الجاد عن أسبابه وإيجاد المخارج المنطقية والعقلانية لتجفيف منابعه بالحكمة أولاً، ثم بالتعاطي العادل مع مسببات هذا الإرهاب.وتاريخ أمريكا مليء بثقافة العنف ضد الآخرين ويكفي أن الهنود الحمر تعرضوا للكثير من العنف والإبادة وهم السكان الأصليون في هذه القارة!ويعرف هذا الكاتب وغيره، إن الإرهاب وثقافة العنف والتطرف أيضا مارسته الكثير من الشعوب في قارة آسيا ضد بعضها البعض، وحدثت الكثير من الفظائع التي ارتكبت في تلك القارة، وما فعله هذه الشعوب ضد بعضها في القرن الماضي يبرز جانباً مهماً من ثقافة العنف والقمع والإرهاب. المهم أن ثقافة العنف والإرهاب لا تقتصر على شعوب ذي مواصفات معينة فهي قضية عالمية، ومن هنا كان يفترض من كل كاتب أن يعدل في هذه المسالة الشائكة. ومن حقه أن ينتقد بعض الممارسات الإرهابية، لكن هناك بعض الأعمال العنيفة، لكنها مشروعة كمقاومة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني، مهما تذرع هذا المحتل بأفكار ونظريات للتضليل والتمويه.. إلخ.