14 سبتمبر 2025

تسجيل

قيام وسقوط القوة العظمى

15 فبراير 2014

القوة العظمى ليست ميزة وإنما مسؤولية، ذلك كلام الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، وهو كان صادقا في خطابه للصينيين وهم يتجهون إلى بناء قوتهم العظمى، ولكن في السياسة لا تعتبر مثل هذه التصريحات مبادئ أو قيما سلوكية في ممارستها، وإنما تأتي من قبيل الاستهلاك الأخلاقي ومجاراة أن تكون الأقوى المطلوب منه الكثير فيما يتعلق بحقوق الإنسان والتزام مبادئ الأمم المتحدة في التعايش وتحقيق الأمن والسلم الدوليين. القوى العظمى كانت ولا تزال لديها سجلات حافلة بالإخفاقات والفشل وإثارة التوتر وإشعال الحروب، وإذا توقفنا مع الولايات المتحدة الأمريكية فإنها تعج بالتناقضات، فالبيت الأبيض له تصريحاته وأفعاله، وكذا الحال بالنسبة للكونجرس والبنتاجون ووزارة الخارجية والمخابرات المركزية وجماعات الضغط، فأن تكون قويا يعني تعقيدات في بناء القرار السياسي لا يعفي من الوقوع في الخطأ، بل وقد يصل الحال إلى أن تتعارض مصالح مؤسسة مع أخرى، فتعمل كل واحدة لصالحها دون علم الأخرى، وهنا يبدأ السقوط كما حدث لكثير من الإمبراطوريات والقوى عبر التاريخ. الرايخ الألماني الثالث قام وسقط، لتناقضات في السلوك السياسي، وكذا الاتحاد السوفيتي، وذلك ما يتنبأ به حتى مفكرون أمريكيون بالنسبة إلى بلادهم، ولذلك فإن القوة العظمى فكرة قد تبدو خيالية وغير دقيقة، لأن كل قوة تحمل عوامل انهيارها وتآكلها بداخلها، وكما ظلت الولايات المتحدة الأمريكية قطبا وحيدا خلال الأعوام القليلة الماضية إلا أنها قريبا ما تتهاوى لصالح قوى أخرى، العالم لم يعد يتقبل فكرة التبعية المطلقة، والكل جرّب الحروب والنزاعات ويأمل في الوصول إلى أوضاع توافقية تمنحه القدرة على الاستمرار والبقاء على قيد الحياة. القوة الأقوى هي أن تمتلك قرارك وتتعامل بتوازن مع جميع اللاعبين الدوليين الرئيسيين، وألا تكون لديك نقاط ضعف واضحة في أدائك السياسي الداخلي أو الخارجي، ذلك صعب ولكنه ممكن، فالسياسة هي فن التنازل، تتنازل اليوم وتستعيد ما تنازلت عنه غدا، وكأن الأمر أشبه بلعبة سيرك يتحرك فيها السياسي على حبال معلقة، حين ينجح ذلك تصبح الدولة قوية وتمضي بنفسها في طريق التنمية والازدهار بسلام، أما العمل لأجندة متضادة مع لاعبين أقوياء فإنه مجازفة ومخاطرة تعجل بالسقوط، خاصة مع تغييب القيم الإنسانية والمبادئ التي يتعارف بها بنو البشر، فالعالم أصبح يسمع بأكثر من أذن ويرى بأكثر من عين ويفكر بأكثر من عقل.