13 سبتمبر 2025
تسجيلفي دوامة الأحداث الخطيرة التي تعصف بعالمنا العربي والإسلامي لعلنا نسينا كنخب عربية مفكرة أن نعتني قليلا بالذي يجري في الولايات المتحدة من استعداد لانتخاب رئيس جديد أو التجديد للقديم ليحكم هذه الأمة الفاعلة القوية لأن ما يخطط لنا في واشنطن خلال هذه الحملة الانتخابية الرئاسية يهمنا بالدرجة القصوى ويحدد إلى حد بعيد مصير الأحداث التي نعيشها وبخاصة الحالة السورية والملف النووي الإيراني ومستقبل الربيع العربي في تونس المتغيرة ومصر الحائرة واليمن المضطرب وليبيا المهددة وسوريا الشهيدة. وصدق الزميل الفرنسي/ دانيال رويو أستاذ الحضارة الأمريكية في جامعة السربون في كتابه (الولايات المتحدة الأمريكية: حضارة عنف) الصادر عن دار نشر أرمان كولان بباريس، حين طالب بتوسيع فضاء الناخبين للرئيس الأمريكي إلى كل سكان المعمورة، بدلا من الاقتصار على المواطنين الأمريكيين، ذلك لأننا في الانتخابات الأمريكية إنما نشهد سن سياسة العالم برمته وتقرير مصير الدنيا بأكملها على مدى سنوات. والأستاذ / رويو لا ينطلق في فكرته هذه من منطلقات "عربية " على قاعدة ديوان الحماسة، بل هو لا يكن أي عداء للمجتمع الأمريكي إنما يتوخى البحث العلمي التاريخي والسوسيولوجي والاستراتيجي والاقتصادي لتفسير ظاهرة العنف التي يقول إنها أحد مرتكزات وجذور السياسة الأمريكية مهما كان الرئيس المنتخب ومهما كان الحزب الفائز. لهذه الأسباب أردت اليوم إعداد كشف عن التوقعات المنتظرة لنا نحن العرب في صورة انتصار المرشح/ الجمهوري الجديد الأقرب للنصر السيناتور(ميت رومناي) أو في صورة إعادة انتخاب أوباما الديمقراطي، لا من خيالي ولا من الأماني التي كثيرا ما تراودنا حول المأمول من هذا الرئيس أو ذاك، بل من الواقع الأمريكي وعلى لسان أصحاب الأمر والنهي هناك في واشنطن (العاصمة السياسية) ومانهاتن (العاصمة المالية لأمريكا ولاقتصاد العالم). في هذا الصدد يفيدنا جدا أن نصيخ السمع للسيد/ جوزف ويلسن آخر سفير أمريكي لدى عراق صدام وأفضل العارفين بشؤون العرب: يقول هذا الرجل:" في صورة فوز هذا أو ذاك من الحزبين لن يسحب الحضور الأمريكي من العراق حتى بعد إعلان سحب الجيش الجرار من بغداد وسيجلب الرئيس القادم حليفه الاتحاد الأوروبي إلى المشاركة في إدارة شؤون العراق مثلما هو الحال في أفغانستان لأن التجربة أكدت لواشنطن استحالة تفردها بالتدخل العسكري. لكن الخيارات الاستراتيجية الأوروبية تختلف عن واشنطن بسبب حتمية استناد أي قرار أوروبي على إرادة شعوبها من خلال المؤسسات الدستورية القوية هناك بعكس السياسة الأمريكية التي يقرر فيها البيت الأبيض وحده لحظة الحسم والمبادرة في الحرب أو السلم.. ويضيف السفير / ويلسن قائلا: "إن قدرة الأمريكان على البقاء في العراق وصلت إلى مرحلة الامتحان في ظل تصاعد العنف وكان علينا ألا نغزو العراق منذ البداية وأعترف بأن الأمريكيين أساءوا حساب كيف سيكون الاحتلال وعقدوا صفقات مع العديد من الجهات ولم يعوا التعقيدات الطائفية لهذه البلاد وتركة الاستبداد العسكري والحزبي منذ الإطاحة بالملك فيصل سنة 1958..".. والآن نتحول إلى خبير أمريكي ثان هو أستاذ الإدارة الحكومية في جامعة جورجتاون الدكتور/ دانيال برومبيرغ الذي يفيدنا بما يلي: "لن يكون موقف أي رئيس قادم مختلفا عن موقف /بوش أو أوباما، لكن ليس له حماس بوش أو كارتر الديني ولا التأثير السحري الشخصي (الكاريزما) الذي كان لكلينتون ولا الميزة التاريخية لباراك أوباما من حيث هو أول رئيس ملون لكنه سيستخلص الدرس القاسي من فشل بوش وأوباما في حلحلة القضية الفلسطينية، لأن مجرد التلويح بضرورة قيام دولتين إسرائيلية وفلسطينية لم يكن ذا فاعلية سياسية ولا نجاعة دبلوماسية وانتهت مدة صلاحيته، وبذلك ضيع الرئيس أوباما وقبله بوش مصداقيتهما في أخطر وأدق ملف شرق أوسطي ساخن. وسيكون موقف الرئيس القادم معتبرا بالمصالح القومية الأمريكية العليا التي تحرك سياسة الولايات المتحدة إزاء هذا الملف، أي نفس المصالح التي وضعها الرئيس / كارتر في حسبانه حين دشن صفحة جديدة من العلاقات العربية الإسرائيلية عام 1977 وهي نفسها التي وضعها الرئيس / كلينتون في اعتباره حين جدد اللقاء بين الخصوم في كامب ديفيد 2. لكن التحولات الجذرية التي طرأت على الشرق الأوسط بفضل الربيع العربي هي التي تجر واشنطن اليوم إلى مواجهة أوضح وأخطر مع روسيا والصين حول الملف السوري. فالحرب الباردة التي اعتقدنا أنها انتهت سنة 1989 عادت عاتية وساخنة في الاختلاف الخطير حول التعامل مع الحالة السورية المعقدة واصطفاف المحيط العربي عموما إلى جانب الرؤية الغربية مقابل وقوف إيران مع النظام السوري في لحظة فارقة تستعد فيها إسرائيل إما لعمل عسكري مسنود أمريكيا وإما للانخراط في مخطط شيطاني يؤلب بعض الدول العربية لإعلان حرب ضد إيران (تكون نسخة معدلة من الحرب العراقية الإيرانية 1980- 1988) ونكون نحن بالطبع حطبها وهي لا تخدم لا أمننا ولا مصالحنا بل إنها حرب خاسرة حتى لو ربحنا فيها مواقع ظرفية. أملي أن يدرك العرب أن قضية سوريا قطعة واحدة من القطع على رقعة شطرنج استراتيجية دولية عملاقة تتجاوز مجرد اختيار من يحكم دمشق وكيف ومع من؟ هذا ما يشغل أيضا انتخابات رئاسة الولايات المتحدة القادمة!